لمى الغلاييني

الرقص على البندول

ما من شيء إلا وله قطب مقابل، وكل صيرورة في الكون، وأي شيء يتحرك له إيقاعه الفردي الدوراني بين المد والجزر، وتتبادل موسيقى الحياة العزف بين القبض والبسط وتتأرجح رقصتها كالبندول.كلما أظلم الليل بدا أن الكواكب تزداد إشعاعا، أما في النهار فالضوء قوي لدرجة أننا لا نستطيع أن ندرك من الأجرام السماوية سوى الشمس، ومع قوة إشعاع هذه الجواهر والتي لا تتغير، فالكواكب تبدو لنا في وضح النهار بشكل مختلف عن الليل، رغم أن الحكاية ليست في أنها تشع ليلا فقط حين تخبو الشمس، أو أن الشمس تشع نهارا فقط والكواكب تنطفئ، وكل ذلك ليس سوى إدراك الناظر إليها واستيعابه لمعانيها في الظلمة أو النور.النهار دوما يعقبه الليل، والجزر سيعقبه المد، الذهاب يعقبه الإياب، التقدم يعقبه التراجع، التوتر يعقبه الاسترخاء، وكل علو يتلوه انخفاض، والعمل تعقبه راحة، الفرح يعقبه حزن، والولادة يعقبها موت، والعسر يعقبه اليسر، وكل شيء يعقبه نقيضه.يجعلنا ذلك نتفادى تصور النجاح من وجهة نظر واحدة، فحيث يوجد نجاح هناك دائما فشل، وإذا اعتقد أحدهم أن الحياة يمكن أن تتألف فقط من نجاحات تصطف خلف بعضها البعض فإنه بذلك يبلغ حد التضليل أو خداع النفس، فالأخطاء والأزمات هي الألغاز التي يبني عليها النجاح أخيرا صورته الكلية.ما يبدو لنا أحيانا كإخفاقات ما هو إلا خطوات على طريق النجاح، حيث يمكن للفشل أن يتحول مع الزمن إلى فرصة النجاح، كما يمكن للنجاحات حسب الإيقاع التذبذبي للكون أن تصبح إخفاقات، وحين تدمر قوة التنافس المحموم صحة المرء وتصيب قلبه بالأزمات، فحينها لا نستطيع أن نعتبره نجاحا في الحياة، بل إن النجاح الذي يكلف المرء حياته ليس إلا نجاحا ساما وهميا.التفكير الأناني بالنجاح يعد إيقاعا ناشزا مع معزوفة الحياة، حيث تقودنا الرغبة العجولة المتعطشة نحو التنافر والنشاز مع الإيقاع، وعلينا أن نتعلم الصبر ونتدرب الأناة وأن لا ننحو نحو الحصول على النتائج بالإكراه، بل ننسجم مع إيقاع الأقدار، وندع الأمور تنضج ونتحرر من القبض عليها بتوتر وشدة؛ لأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، والنصر دوما مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا.