حمد الباهلي

ضربات في سوريا

هذا العنوان الغامض لم يكن لفيلم أو مسلسل بوليسي بل كان عنوانا لافتتاحية اللوموند أكبر وأكثر جريدة فرنسية رزانة. الافتتاحية جاءت في اليوم التالي لإعلان الناطق الرسمي للرئيس دونالد ترامب التحذيرات الأمريكية الصارمة الموجهة لنظام بشار الأسد في حال استخدامه من جديد الأسلحة الكيماوية وأن نظام بشار وجيشه سيدفع ثمنا باهظا جراء أي اعتداء من هذا النوع. عنوان جريدة اللوموند يشير إلى «ضربات» ستحدث ربما على يد قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد قوات النظام السوري الذي بدأ في الفترات الأخيرة محاولة اختراق بعض التفاهمات على الأرض بين القوى الدولية النافذة على الأرض ويسبب بعض الصداع على مستوى «التنسيق» بين هذه القوى وبخاصة بين القوتين الأمريكية والروسية وربما بتواطؤ مع الخبرة وهو ما أزعج الأمريكان. ومع ذلك تصف اللوموند نفسها التهديدات الأمريكبة بأنها «رهان دبلوماسي حقيقي». أي أن الموضوع لا يحتمل الذهاب بعيدا إلى درجة المواجهة على الأرض بين الولايات المتحدة وروسيا، كما يذهب بعض المحللين في بلدان المنطقة. «بناءً على معلومات شبه مؤكدة، تستعد واشنطن لشن ضربات عسكرية قوية على مواقع نظام دمشق في الأيام المقبلة والتهديدات الأمريكية تأتي تمهيدا لهذه الضربات- تقول جريدة السياسة الكويتية». جريدة اللوموند تبدأ بالضربات -غيرالمجددة- وتنتهي برهان دبلوماسي حقيقي. وإذا كان السؤال التلقائي يقول: مع من؟ يكون الجواب المنطقي- المتحرك- مع روسيا. روسيا «العظمى» بضرورتها للسياسة الأمريكية ليس فقط مع خصومها بل حتى مع حلفائها الأوروبيين. روسيا العظمى، بدورها القوي في حاجة أيضا للولايات المتحدة في إعادة تموضعها على الساحة الدولية. لذلك، سارع الرئيس بوتين، بعد التعليق المتهكم على أسباب التحذيرات الأمريكية على التصريح بأن «روسيا ستواصل بناء قدرات جيوشها العسكرية لحماية نفسها وحلفائها». وإذا كان الغموض في الأشهر الأخيرة هو السائد في سوريا كما يبدو في السجالات بين الأمريكان والأتراك والأتراك والأكراد والنظام والمعارضة «الإرهابية» في نظر النظام وحلفاء روسيا والنظام الإيرانيين الذين أرسلوا صواريخهم بدورهم من البحر إلى سوريا، فالوقت في نظر الفاعلين الحقيقيين لا يزال مبكرا ولا يزال أمام جنيف الأستانة والأستانة أمام جنيف والمطلوب هو مزيد من «التنسيق» في البحر والأرض والجو ولا بأس من بعض «الضربات» من هنا أوهناك. في سياق الإعلان عن معالم سياسته الخارجية، أعلن الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون عن أنه لم يعد مهتما برحيل الأسد؛ لأن البديل لحكمه غير موجود لكنه وبشكل لافت «تنبأ» بما يدور في الدوائر المغلقة وأعلن خطه الأحمر مع نظام بشار إذا استخدم من جديد السلاح الكيماوي. لذلك سارع ومنذ الساعات الأولى لإعلان التهديدات الأمريكية بالاتصال بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب واتفق الرئيسان على «العمل على إعداد رد حاسم مشترك في حال إقدام النظام السوري على استخدام السلاح الكيماوي». الرئيس ماكرون يعرف أن الرئيس ترامب -على عكس سلفه أوباما ودون التشاور مع أحد هو من يحدد خطه الأحمر وينفذ ما يستدعي اجتيازه. في يوم واحد أرسل 59 صاروخا على قاعدة الشعيرات واكتفت روسيا بالإدانة والتنديد وألغت من طرف واحد اتفاقية «التنسيق» في الأجواء ثم جرى إعادة العمل بها مثلها مثل بقية «عدة الشغل». هل معنى ذلك أن كل ما يحدث على الأرض السورية مؤامرات تدخل في نظرية المؤامرة المفترى عليها؟ القوى النافذة تعمل لمصالحها ولا تستثني عاملا يخدم هذه المصالح والقوى المعارضة ليست من القوة بحيث يجري التآمر عليها.