د. فالح العجمي

هقيت وبعض الهقوات إثم

ما كنت أظن أنها سيبلغ بها التهور إلى هذا الحد، ولا أن تكون قليلة الحيلة في البحث عن طرق أخرى للعبور إلى الفضاء العام. فقد أخذت في كل مرة تسلك الطريق نفسه، وتأتي مسرعة لتصطدم بالجدار الزجاجي، ثم تعود أدراجها لتكرر العمل مرة أخرى وبالسرعة نفسها والمسار نفسه. بقيت متأملاً في مكاني، ولم أعد أهتم لمناظر الحياة خلف ذلك الجدار؛ إذ أصبح تفكيري منصباً على بؤس المنهج الذي تسلكه، لتخطي ذلك الفاصل، أو عدم اتعاظها من كون هذا الحاجز غير قابل للنفاذ من خلاله. هل تلك الذبابة التي شكلت فاصل عناد أو غباء في ذلك المشهد كانت تستعرض أو تهرب، أم إنها في سير طبيعي، لم تكتشف خلاله تلك المادة الصلبة الشفافة أمامها؟ كما أنها لم تصدق تجربتها في كل مرة، بكونها مادة فاصلة بين حيزين، وليس حيزاً من الكتلة الهوائية، التي تعودت على الطيران فيها. بدأت أحلل الإمكانات المختلفة لطريقة تفكيرها، ونسيت في خضم ذلك كونها قد صرفتني عن الاستمتاع بقهوتي، وعن مد النظر إلى الفضاء الجميل خارج الحاجز الزجاجي. وكنت في ذلك مستبعداً أن تكون خائفة أو هاربة مني، أو أن تكون مستعرضة أمامي، لأنه لا علاقة لنا بأشياء مشتركة، حتى فيما بين يدي من القهوة، التي تخلو من السكر، فيصعب أن تكون قد جذبتها برائحتها، التي لا تستدعي إلا مدمنيها من أمثالي. إذن ليس هناك من إمكان إلا أن يكون السبب ما كنت قد قرأته من كون ذاكرة الذبابة قصيرة جداً، لا تتعدى ثواني معدودة في شأن تجاربها الحياتية غير الموروثة في جيناتها. وهو ما يمكن أن نفسره في إطار عقلنة الأمور لدى البشر، بأنه فشل في النفاذ إلى الفضاء الخارجي بسبب اتباع منهج غير فاعل (وهذا الحاجز في هذه الحال يفوق تصوره قدراتها العقلية المحكومة بعوامل محدودة). تذكرت تلك التأملات، وأنا أتابع تصريحات لبعض من يطرحون أنفسهم أوصياء على المجتمع، عن مواقفهم من مستجدات الحياة، بعد أن أسقط في أيديهم من محاولات إعادة الحياة شبه الطبيعية إلى الناس بعد فترة اختطاف. فقد تعددت حالات تماثلهم مع تلك الذبابة الانتحارية؛ في فقدان الذاكرة من جهة، ونسيان أو تجاهل مصالح البلاد العليا. بعد أن بدأت تهيئة المناخ اللازم للترفيه الضروري والمطلوب من فئات الشعب كافة، كان عدد من الجهات الرسمية المعنية مهتمة - كل فيما يخصه - بوضع التنظيمات اللازمة لما ستكون عليه حياة الناس في تناغم مفروض مع عناصر رؤية 2030، التي تتقاطع مع جوانب كثيرة من حياة المواطنين والوافدين في البلاد. وربما كان أهمها ما يتعلق مؤخراً بإعطاء المرأة بعض الاستقلالية في الخدمات المقدمة إليها عن الرجل، أو أي شخص قد تكون مضطرة إليه، حتى وإن كانت قادرة على إتمام طلب خدماتها بنفسها. فبدأ بعض الواهمين يهددون المجتمع بالويل والثبور، وكنت هقيت أنهم أذكى من ذلك، وخابت هقواتي!