د. طرفة عبدالرحمن

المخيلة المتوهجة

ماذا يعني أن يكون لديك مخيلة خصبة، مخيلة واسعة الأفق.. هذا النوع من القدرات العقلية يسمح لصاحبه بتخيل الواقع بطريقة مختلفة، وتصور أحداث معينة وافتراض ظروف متغيرة وجديدة في أحد أركان العقل.. وهناك فرق بين من يلجأون للخيال هروبا من الواقع ورغبة في تحقيق أحلامهم التي عجزوا عن إرساء دعائمها في حياتهم الواقعية، وبين الذين يتخيلون الأحلام ليمسكوا بأولى خيوطها الحقيقية في واقعهم..فالفرق كبير بين الخيال الذي تهرع له في لحظات يأسك وضعفك ويعزلك عن الواقع تماما ليردم نقصك ويخدر ألمك، وبين المخيلة الحية التي تجعلك تعيش فضاء الخيال والواقع «بشعرة جنونية» متصلة بين الفضائين.. المخيلة المتوهجة لا تسمح لك أبدا بتخيل أحلامك الفاخرة والمتهورة والصاخبة في أحد أزقة قلبك وعقلك دون أن تذيقك إياها في لحظات حقيقية في واقعك.. لا تظن أيضا أن المخيلة المتحركة والنابضة بدقات سريعة هي التي تخلق فقط جمال الأحداث والتفاصيل في الروايات الجميلة، إنها تفعل أبعد وأخطر من ذلك، خلف هذه المخيلة تقف أكثر الإنجازات تعقيدا وفائدة وأحيانا عنفا وبأسا في حياة البشر.. كل التقدم البشري والفكري والحضاري أساسه «المخيلة المتوهجة».. إنها فتيل الأحلام والاختراعات والجنون التكنولوجي. العقول المتراكمة من هذا النوع من المخيلات، هي التي مزقت روتين الحياة البشرية وصعوبات العيش وخلقت الرفاه، ولولا أطماع البشر ونزعة الكراهية والحسد؛ لكان الجنس البشري يعيش نعيما مترفا.. معظم الأذكياء ومن وصلت درجة عبقريتهم حد الجنون هم من أصحاب المخيلة المشتعلة، تلك المخيلة التي لا تنفك عن الافتراض والتحليل والاستنتاج والتصور وتوالد الأسئلة.. وبشكل عام، التعليم والمعرفة تعطيك حدا معينا من القدرة على الربط والبحث والاستقراء، وأيضا القدرة على التنبؤ في بعض الظروف، لكن المخيلة الواسعة هي التي تقفز بك إلى مراتب أعلى من هذه القدرات.. إنها أحد أسرار تميز القادة والناجحين والمخترعين والجذابين والمؤلفين وفلاسفة المجتمعات والمفكرين ورواد التغيير.. من يملك منكم مخيلة خصبة فليعتن بها جيدا، إنها باختصار «المخيلة المعجزة».. ترتب لك خطط طوارئ في حياتك، توفر لك حلولا متعددة لصعوباتك، تستفز تحليلك ومنطقك باستمرار، تأبى أن تنصاع للإجابات الجاهزة في الحياة وتفاصيل الأحداث.. لن تبتئس إن كنت في كنف قائد، صديق، شريك، قريب، صاحب مخيلة متوهجة.. وإن كنت بذاتك «المنعم بها» حري بك الزهو أمام نفسك..