عبدالوهاب الفايز

جامعة الباني والمؤسس الأول

زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للمنطقة الشرقية سوف تدخل التاريخ، ليس من باب المشاريع العملاقة التي أطلقها وأسس لها وحسب، بل سوف تبقى، بحول الله، في ذاكرة الأجيال عبر مبادرة الملك وأمره الكريم بإطلاق اسم الإمام عبدالرحمن الفيصل على جامعة الدمام، وأيضا سوف تخلدها مبادرة رجال الأعمال في المنطقة لإنشاء مركز ثقافي متميز في الدمام يحمل اسم الملك سلمان، يهتم بالإبداع الأدبي والتاريخ، حتى تبقى الزيارة الملكية حاضرة في تاريخ الفكر والثقافة في المنطقة. الإمام عبدالرحمن الفيصل، يرحمه الله، يستحق أن تتعرف الأجيال الجديدة على تاريخه وعلى ما قدمه لبلادنا، فالإمام عبدالرحمن عُرف عنه الحكمة والشجاعة والرغبة الشديدة لجمع الكلمة، وقد قام بدور مهم لإبقاء مشروع الدولة، ولم يستسلم للظروف الصعبة التي نتجت عن الحروب والنزاعات القبلية أو من الخلافات الشخصية داخل بيت الحكم، بل سعى الإمام عبدالرحمن الفيصل بحكمة وصبر إلى جمع الأسرة وتوحيد كلمتها، وقد نجح بجمع أغلب اخوانه وأبناء عمومته حوله، وقد تنازل عن الحكم لأخيه عبدالله في فترة حكمه الأولى (١٢٩١هـ) لأجل أن يجمع الكلمة وينهي الخلافات، وكانت جهوده هذه يضعها المؤرخون عاملا مساعدا لابنه الملك عبدالعزيز ليمضي في تحقيق حلم بناء الدولة السعودية الثالثة، التي ننعم بخيرها الآن. الأجيال الجديدة بدأت تغيب عنها المعالم الأساسية الكبيرة لمسيرة بلادنا، والأمير تركي بن عبدالله بن عبدالرحمن في كتابه الجديد ‏(السعودية: الموروث.. والمستقبل، التغيير الذي يعزز البقاء)، والذي استعرضناه في عدة حلقات في هذه الزاوية، كان دافعه لتأليف الكتاب هو ما لاحظه من عدم معرفة الأجيال الجديدة بتاريخ بلادهم. وفي الكتاب دعوة لتأسيس مشروع فكري لاسترجاع ثوابت وإنجازات تاريخ بلادنا؛ حتى تدركه وتعيه الأجيال الجديدة، حتى تطوره وتبني عليه. لذا، ارتباط جامعة كبيرة ورئيسية في المنطقة الشرقية بأحد رموز بلادنا له أثره الإيجابي لإبقاء هذه الرموز حاضرة لدى الأجيال الجديدة، خصوصا في جامعة لها حضورها الوطني وتتميز بعدد من التخصصات العلمية، والأهم من هذا أن نسبة الطالبات في الجامعة تقارب 70٪‏، وهذا يجعلها قاطرة تعليم المرأة في المنطقة الشرقية، وبهذا تصبح جامعة الإمام عبدالرحمن الفيصل مع جامعة ابنته نورة المؤسستين الرئيسيتين لتعليم المرأة الجامعي في بلادنا. تاريخ جامعة الدمام وإنجازاتها العلمية وعدد الموارد البشرية التي أهلتها في السنوات الطويلة الماضية وحجم بنيتها الأساسية الكبيرة التي هيأتها الحكومة لها، كل هذا يجعلها الحامل الأمين لاسم الإمام عبدالرحمن الفيصل. هذه المؤسسة الأكاديمية منذ أن تعرفت على قياداتها وطواقمها الأكاديمية، وفي كل مرة أزورها أجد المنجز الوطني الذي نفخر به. لقد تعرفت على تاريخ الجامعة وما قدمته من الأخ العزيز المربي الدكتور يوسف الجندان، الذي قدم الكثير للجامعة، وكذلك الأخ العزيز الدكتور خالد بن عبدالرحمن السيف، ورأيت مثل غيري الكثير من المنجزات تتحقق بقيادة الأخ الفاضل الدكتور عبدالله الربيش وزملائه، والجامعة كانت حاضنة للعديد من الكليات في محافظات المنطقة. كما أنها رائدة في المؤتمرات العلمية والندوات التي تخدم القضايا الحيوية للتنمية، وأذكر منها مؤتمرات السلامة المرورية التي تميزت بها الجامعة. الملك سلمان - يحفظه الله-، كما كان الملوك من قبله، يصنعون التاريخ في زياراتهم للمنطقة الشرقية، والذي يصنع التاريخ هو من يضع بذور الإعمار والنماء ويؤسس لحياة الناس كل ما ينفعها. الذي يبني هو الذي يصنع التاريخ، والإمام عبدالرحمن الفيصل وبعلاقته الحميمية المتميزة بابنه عبدالعزيز، وبجهده لجمع الشمل، هو الباني الأول والمؤسس الأول لمشروع الدولة التي أسسها ابنه الملك عبدالعزيز.