مشاري العفالق

لعبة انتخابية أم سياسة أمريكية جديدة؟

قبل أيام قال المرشح الأمريكي دونالد ترامب أنه سيتحالف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في سوريا، ومع أن هذا التصريح كغيره في هذه الأيام ، يحتمل عدة تفسيرات أكثرها سوءًا أن الأمريكيين في طريقهم إلى دعم أكثر وضوحاً لتحالف الأسد، إيران، وروسيا ضد الشعب السوري. صحيح أن تصريحات كهذه كثيراً ما تظهر كجزء من اللعبة الانتخابية الأمريكية، لكن الأمر هذه المرة مختلف بعض الشيء وفقاً لتحليل خط الأحداث والمواقف الأمريكية، والذي يُظهر إلى حد كبير توافقاً بين كل من الحزبين فيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة.لنضع خطاب ترامب في سياقه، لا بد من الأخذ في الاعتبار أمران أولهما أن عهد الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما كان بداية لإعادة تشكل تحالفات دولية واسعة في منطقة الشرق الأوسط، ومع هذا فإن الحراك الديموقراطي بني على أرضية التنظيرات التي ظهرت في عهد الجمهوريين مثل الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة.وبالرغم من أن الأفكار المتعلقة بإعادة رسم خارطة القوى في الشرق الأوسط كانت معلنة وتعرض لها كثير من المحللين، إلا أن الطريقة التي سارت عليها في عهد الرئيس الديموقراطي لم تكن متوقعة، وشمولها كلاً من المشهدين السياسي والاقتصادي، منذ بداية مسلسل ما عُرف مؤخراً بالربيع العربي، وحتى معركة النفط الدائرة حالياً.أما الأمر الآخر في هذه المعادلة فهو أن الديموقراطيين مع اقتراب نهاية عهد الرئيس الحالي أوباما أطلقوا مزيداً من الإشارات حول استمرار الرهان على قيادة الأمريكيين في هذا الاتجاه، ليتم تتويجها بترشيح وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون التي كانت المسؤول الأول عن إدارة ملف التحالفات الدولية.فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الجمهوريين هم من بدأوا التبشير بإعادة تشكيل المنطقة ثم جاء الديموقراطيون لينفذوا ويصروا على استمرار هذا النهج، فإن خطاب ترامب أكثر من مجرد استعراض لعضلات المرشح الجمهوري الذي ضرب بأدبيات الحزب الجمهوري والتحالفات التقليدية في الشرق الأوسط عرض الحائط .ترامب الذي يؤيده اليوم نصف الأمريكيين كان صريحاً كعادته بقوله إنه لا يعتقد أن الأسد شخص طيب، لكنه - من وجهة نظره - أفضل من مناصرة أشخاص قد يتحولون لإرهابيين في إشارة للوقوف مع الشعب السوري، لهذا فإنه يرى أن المصلحة الأمريكية ليست فقط في التحالف مع إيران كما حصل فعلاً بل وتجاوز ذلك إلى التحالف مع الروس في معركة لم تجد لها إدارة أوباما غطاءً إنسانياً.تصريحات ترامب إذن وسكوت الجمهوريين قد لا يكون مجرد مناورة سياسية لكسب معركة الرئاسة، على طريقة استخدام الشعارات الدينية أوالتبشير بالهيمنة كسلاح انتخابي ضد الديموقراطيين المخلصين لمبدئ القوة الناعمة، بل وعلى العكس من ذلك فإن الجمهوريين على الأرجح لن يتخلوا بسهولة عن مبادئ اللعبة الجديدة التي نظّروا لها. ومما يعزز هذا التصور أن التصريحات الأخيرة ظهرت بصورة متسقة، وبصورة لا توحي لاستعداد المرشح الجمهوري للتخلي عنها، خاصةً أن حملته الانتخابية ارتكزت على تحميل حكومة أوباما المسؤولية عن داعش بسبب وقوفها ضد الأسد (كما يرى ترامب)، أو سماحها بتسليح المعارضة للتحول (كما يقول) لجماعات إرهابية تهدد أمن الولايات المتحدة.هذا يعني أن تصورات الجمهوريين في عهد ترامب قد تكون أكثر خطورة على المصالح العربية في منطقة الشرق الأوسط، خاصةً إذا ما أضفنا عليها تصريحاته العنصرية ضد العرب والإسلام والأطفال السوريين الذين وجه لهم رسالة جارحة بأن عليهم أن يواجهوا مصيرهم في بلدهم.قراءة المشهد الحالي لا تتيح خيارات سوى ضرورة الرّهان على توحد ليس فقط الدول الخليجية بل والدول العربية المجاورة، وتركيا لدعم استقرار الشرق الأوسط أمنياً واقتصادياً حتى لا تدفع دول الشرق الأوسط وعلى رأسها إيران ثمن الرهان على الأمريكيين غالياً.