مشاري العفالق

لعبة الهايبرماركت ومصادر الأغذية

قبل أيام شهدت الصحافة البريطانية اهتماماً بقضية غريبة من نوعها تتعلق بتلاعب أحد أكبر سلاسل السوبر ماركت والهايبر ماركت في بريطانيا، هذه اللعبة في الواقع تم التوصل إليها عن طريق جمعية مهنية، وقبل أن أدخل في التفاصيل فأنا أدعو الجهات المختصة لدينا، وعلى رأسها وزارة التجارة، أن تبذل جهداً أكبر لفهم مثل هذه الأساليب المبتكرة للغش والتلاعب.ما حدث أن جمعية مهنية للمزارعين قامت بمراجعة أسماء المزارع التي تبيع منتجاتها هذه السلسلة التي تعتبر من أكبر المحتكرين لسوق الأغذية والتجزئة في بريطانيا، وذلك بعد أن لاحظت أن أسعارها منخفضة مقارنة بالمنتجات المحلية الأخرى، هذا الأمر دفع الجهة غير الربحية للبحث عن المزارع المكتوبة على الأغذية المعلبة وغير المعلبة التي تحمل شعار (السلسلة).وبعد مراجعة لكافة المزارع الصغيرة والكبيرة والتي من الصعب إحصاؤها في بريطانيا اكتشفت أن المزارع المطبوعة على هذه المنتجات هي أسماء وهمية حيث لا توجد مزارع محلية تبيع لهذا التاجر، ولحسن الحظ أن النظام البريطاني لا يسمح بعرض أي منتج غذائي محلي لا يكتب عليه المزرعة.حاولت الشركة فيما بعد أن تجد أعذاراً لتبرير ما حدث والتأكيد على أن منتجاتها طازجة وأنها تهدف من خلال سياساتها إلى توفير منتجات غذائية رخيصة للمواطن البسيط، وربما تشهد الأيام القادمة مساجلات إعلامية أو قضائية تتعلق بهذا الأمر، خاصة وأن الجمعية تعتقد بأن المنتجات قد تكون جُلبت من الخارج ومن أماكن غير معروفة وتسوق على أنها محلية.بعيداً عن هذا كله، فإن العديد من شركات الهايبر ماركت لدينا بدأت ببيع منتجات تحمل أسماءها وغالباً بأسعار رخيصة مقارنة مع المنافسين، وهذا السلوك المعروف اقتصادياً بأسلوب التوسع الرأسي فيتحول تاجر التجزئة إلى شبه موزع وربما مشارك في الإنتاج، وهو ما يعزز احتكار القلة في السوق المحلية للتجزئة.هذا السلوك في حال عدم تتبع المنشأ والتأكد من سلامة الأغذية والمنتجات الأخرى التي تعرضها يقف على بعد خطوة واحدة من اللعبة التي تمت في بريطانيا إذا ما صحت ادعاءات الجمعية، إلا أن ضررها سيكون أكبر لديناـ فالسوق المحلية لا تفرض المعايير البريطانية، ولا يتوافر لها آليات الرقابة الأوروبية، ولا جمعيات مهنية قادرة على لعب دور رقابي بهذا الحجم.ومع هذا فإن أهم فارق من وجهة نظري هو أن أغلبية المنتجات تجلب من الخارج خلافاً لما يحدث في أوروبا، وبمعنى آخر فإنه لا يكفي أن تجلب منتجات معلبة أو تباع على أنها طازجة، بعد أن يضرب عليها التاجر اسم الهايبر ماركت وبلد منشأ دون الوقوف على حقيقة مصدر هذه الأغذية ومواصفاتها، ولماذا تصل إلى المملكة بأسعار منخفضة جداً وبأسماء الشركات المحلية دون إفصاح عن أسماء المزارع أو الجهات المصنعة وبأسعار لا تُنافس.تتبع المصادر الحقيقية والتي تختص أسواقنا بمنتجات خاصة من خلال سلسلة امدادات مختصرة جداً هي عبارة عن تجار التجزئة أصبحوا مستوردين وموزعين محليين حصريين أمر غاية في الصعوبة للأمانة خاصة في عدم وجود أنظمة ولوائح وقدرات إدارية وبشرية لدعم هذا المشروع.لكن سلامة المواطن والمحافظة على صحته أمر لا غنى عنه، ولا داعي للتذكير بحادثة الشكولاته الملوثة بقطع بلاستيكية والتي لم يُنتبه لها محلياً إلا بعد أن نشرت صحف بريطانية عن المشكلة مزودة بأرقام العلب الملوثة، والإجراءات التي قامت بها عشرات الدول، لتكتفي هيئة الغذاء والدواء برسالة تحذيرية للمواطن الذي لا يملك عصا سحرية ولا مختبرات للتأكد من سلامة الأغذية التي تصله.يبقى السؤال الآن هل نكتفي بمراقبة ألاعيب قد تنكشف في دول العالم وفي ضوء قوانين وسياقات مختلفة قد لا تكشف عن مشكلات خاصة بنا، أم أن علينا أن ننتظر لنستيقظ على مشكلة قد تهدد صحتنا وسلامتنا؟.