خليل الفزيع

الاهتمام بأعلامنا.. مسؤولية وطنية

كثيرا ما أتساءل عن السر في اختيار اسم (أبي الحسن الواسطي) للشارع الذي أقطن فيه بالجلوية بمدينة الدمام، فهو شخص شبه مجهول بالنسبة للكثيرين، ولمن يعرفه أو لا يعرفه، هو منسوب إلى واسط بالعراق، وهي محافظة سميت باسم المدينة القديمة التي بناها الحجاج بن يوسف الثقفي في النصف الثاني للمئوية الأولى من الهجرة النبوية لإيواء جنوده، ويذكر أن سبب هذه التسمية هو توسطها بين الكوفة والبصرة، لكن ماذا يعني لنا (أبو الحسن الواسطي)؟ سأترك الجواب للقارئ، الكريم، وللمسؤولين في أمانة مدينة الدمام. إنني لست ضد إحياء التراث، والاهتمام بأعلامه، وخاصة من هو معروف في تاريخ العرب والمسلمين، لكن السؤال الذي يلح على خاطري دوما هو: لماذا تغيب عن شوارعنا أسماء أعلام كانت لهم بصماتهم الواضحة في تاريخ مدننا الكبيرة والكثيرة؟ منهم علماء وأدباء ومؤرخون ورجال أعمال، وبناة نهضة تنموية في مجالات كثيرة. فلماذا لا تحتفي أمانات مدننا بهؤلاء الأعلام لتحمل شوارع مدننا أسماء قدموا لمدنهم الكثير والكثير من جهودهم، وأسهموا في منحها الشهرة أو شاركوا في بنائها التنموي، وهذا لا يعني إهمال الأعلام البارزين في تاريخنا العربي والإسلامي، ولكن يعني عدم الانشغال بالبحث عن أسماء لا تعني لنا شيئا.. لا في ماضينا ولا في حاضرنا ولا في مستقبل أجيالنا، ومن مناطق بعيدة هي أولى بأن تحتفي بأعلامها، ولا أجد لمن عاش في (واسط) قبل أكثر من خمسة عشر قرنا، محلا للإعراب في مدينة مثل الدمام، وكأن تاريخنا المعاصر قد خلا من الأعلام البارزين والجديرين بأن تخلد أسماؤهم بهذه الطريقة أو تلك. أسماء أعلام نعرفهم، ونعرف جهودهم في بناء هذه المدن، وأسماء عائلات كان لبعض أفرادها الفضل بعد الله في بناء مدننا الحديثة، ورفع شأنها، وإبراز تاريخها وأدبها، ومن باب الاعتراف بالحق لأصحابه أن تحمل شوارعنا، وحدائقنا العامة، وغيرها كالأسواق العامة والميادين العامة، أسماء أولئك الأفراد، أو تلك الأسر، إحياءً لذكراهم، وتشجيعا لغيرهم على البناء والإبداع والمشاركة في الأعمال الباقية في ذاكرة التاريخ. هذا السؤال يصبح أكثر إلحاحا عندما أتجول في شوارع الرياض، وأجدها تحمل أسماء أعلام علماء وأدباء ومؤرخين ورجال تعليم ورجال أعمال، وشعراء، وأبطال ساهموا في ملحمة توحيد المملكة مع الملك الراحل عبدالعزيز- طيب الله ثراه- أو آخرين كانت لهم جهودهم في تأسيس الدولة السعودية في مراحلها الثلاث، فلماذا يغيب هذا الأمر عن أمانات المدن الأخرى في بلادنا؟ رغم أن تاريخ هذه المدن حافل بالرجال البارزين في أكثر من مجال، ومن حقهم علينا الافتخار بأعمالهم، وترجمة هذا الافتخار بإحياء ذكراهم، وهذه مسؤولية وطنية وإنسانية لا تغيب أهميتها عن تفكير المسؤولين في أمانات وبلديات مدننا العديدة. ما ينطبق على أمانات المدن.. ينطبق أيضا على إدارات التعليم التي يفترض أن تحمل مدارسها أسماء من أسسوا للتعليم، وأسهموا في بناء نهضتنا التعليمية الفريدة بنموها السريع، وانتشارها المذهل، فلا أقل من أن تحمل مدارسنا في التعليم العام، أو حتى في التعليم الأهلي أسماء هذه الكوكبة من المربين القدامى، وهم جديرون بهذا التكريم، فما هو سوى رد الجميل لأهله، ومنح الحق لأصحابه، دون أن يعني هذا - كما قلنا سابقا -التخلي عن الأسماء البارزة في تاريخ العرب والمسلمين، وعندما أقول البارزة فإنما أعني تلك التي قدمت للحضارة الإنسانية ما لم يقدمه غيرها على امتداد تاريخ العرب والمسلمين الحافل بالأعلام البارزين، ومنهم أعلامنا المعاصرون، من لا يحتاج البحث عنهم إلى جهد، لأنهم معروفون من أبناء مدنهم، بل وأبناء هذ الوطن العزيز باختلاف مناطقه ومحافظاته ومدنه الكبيرة.