كلمة اليوم

موسكو تكتب دستور دمشق!

رغم تناقل الخبر الذي يشير إلى أن جمهورية روسيا الاتحادية قامت بكتابة دستور جديد لسوريا وسلمته نظام الأسد لمراجعته توطئة لاعتماده، وهو الخبر الذي تناقله عدد من الوكالات، إلا أن الكثير من المراقبين كانوا يعتقدون أن هذا الخبر إنما هو جزء من الحرب الدائرة بين النظام والمعارضة على سبيل إهانة النظام، والنيل منه، لكن بعدما تداولته بعض المواقع والصحف اللبنانية الناطقة باسم حزب الله الموالي لنظام الأسد، والمحسوبة عليه وعلى طهران كصحيفة الأخبار، والديار وغيرهما، بات هذا الخبر الكارثة في حكم المؤكد، فالجميع يعرف بالتأكيد أن من يمسك بزمام الأمور سياسيا وعسكريا في الداخل السوري هم الإيرانيون والروس، هذه حقيقة لا يمكن اخفاؤها، لأن النظام يعتبر أن هاتين القوتين قد دفعا مهر احتلال بلاده بتوفير الحماية لكرسيه من السقوط، حتى وإن كان لا يستطيع أن يصل إلى بعض أرياف عاصمة بلاده، ولا أن يجتاز المتحلق الجنوبي حيث تتربص به قوى الشعب والمعارضة، فضلا عن المحافظات التي تفلتت من بين يديه. لكن مع هذا ورغم هذه الصورة البائسة التي لم تعد فيها الجغرافيا السورية سوى مجرد رسم على الخارطة، إلا أن الكثيرين أيضا كانوا يعتقدون أن أتفه نظام على وجه الدنيا لن يسمح علانية «على الأقل» بالتفريط في سيادة بلده بمثل هذه الصورة، كأن يفرض الحليف عليه دستورا يتم تفصيله على مقاس مصالحه ومصالح الحلفاء الآخرين الذين يحرسون النظام بعد أن تضعضع جيشه تحت ضربات المعارضة، وليس على هوى السيادة السورية التي انتهكها الأسد منذ أن قرر ذبح بلاده ليبقى حاكما على مقابر وأوجاع ومآسي وخرابات شعبه ومواطنيه، بل منذ أن قبل استدعاء شبيحة نصر الله، والمرتزقة من كل مكان، وفتح أبواب بلاده لميليشيات سليماني وجعفري، وقوات الدب الروسي لتسفك دم مواطنيه لكي يبني فوقها مجد بقاء عرشه المقاوم.. طبعا.. إلا لإسرائيل. أن تكتب لك روسيا دستور بلادك، فهذا لا يعني اغتيال السيادة، وإنما ذبحها من الوريد إلى الوريد ومن ثم إلحاقها بالحليف المحتل، وقد أشارت المعلومات المتناثرة هنا وهناك عن مسودة الدستور السوري الفضيحة، أن الدستور «الروسي» ألغى مفردة (العربية) من اسم الجمهورية، لتصبح الجمهورية السورية، وربما تكون هذه العملية هي أولى بوادر العزم على سلخها من عروبتها، وطمس هويتها تماما، هذا فضلا عما رشح من قضية إلغاء الإشارة إلى ديانة الرئيس وغيرها، رغم أن عار الحدث بذاته، والتسليم بقبول كتابة الدستور من عاصمة دولة بعيدة، أشد وأنكى من كل التفاصيل مهما كانت، لأن من يفرط بسيادة بلاده، فما الذي يضيره من أن يفرّط بكرامتها، في زمن أصبحت فيه بعض الشعوب في نظر أمثال هؤلاء اللصوص مجرد سلعة تباع وتشترى مقابل كرسي السلطة المنقوصة. فأي عار بعد هذا؟