ود التبادلية تقوم عادة على التوازن الاقتصادية التي يقدرها اطرافها عند ابرام العقد لكي تحقق بالنسبة لكل منهما توازنا معقولا وعادلا، وهو ما يتم بشكل نسبى وتقريبي في مفهومهما، وإن اختلاف التوازن الاقتصادي في العقد بسبب الظروف الطارئة يرجع إلى وقوع حوادث استثنائية عامة غير متوقعة لا يمكن دفعها، تجعل تنفيذ الالتزام مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة.
تنطبق نظرية الظروف الطارئة على العقود التي يفصل بين إبرامها وبين تنفيذها فترة من الزمن، فتنطبق على عقود المدة والعقود الفورية التي يتفق فيها على أجل لاحق لتنفيذ بعض التزامات المتعاقدين. وكذلك في الالتزامات المؤجلة التنفيذ، ولكن لا يجوز إعمال أحكام نظرية الظروف الطارئة إذا كان تراخي تنفيذ الالتزام إلى ما بعد وقوع الظرف الطارئ راجعاً إلى خطأ المدين.
وحتى يوصف الحادث بأنه طارئ لا بد أولاً أن يكون الحادث استثنائياً، ويراد بالحادث الاستثنائي أن يكون الحادث مما لا يتفق مع السير الطبيعي للأمور بمعنى أنه بعيد عما ألفه الناس واعتادوه في حياتهم ومعاملاتهم اليومية العادية، ومن الحوادث التي تعتبر استثنائية الحروب والزلازل والإضراب العام المفاجئ أو الوباء العام الاستثنائي والانهيار الاقتصادي غير عادي وغير متوقع. ثانياً أن يكون الحادث عاماً، بحيث ألا يكون خاصاً بالمدين فقط كإفلاسه أو موته أو مرضه بل يجب أن يكون عاماً شاملاً لطائفة من الناس. ثالثاً إرهاق المدين، إن إرهاق المدين يعتبر من أهم الشروط التي يجب الاعتماد عليها للقول بأن هناك اختلالا في التوازن الاقتصادي في العقد، ومن ثم تطبيق نظرية الظروف الطارئة على الواقعة محل النزاع وعلى أن تتوافر الشروط الأخرى المقتضية لذلك. وهنا يطرح سؤال مهم نفسه وهو كيف يتم تحديد الإرهاق أو الخسارة الفادحة؟ حيث إنه من المتفق عليه فقهاً وقضاءً أنه يمكن للمحكمة الاستعانة بجميع وسائل الإثبات ومنها القرائن لتحديد اعتبار الوباء ظرفا طارئا من عدمه، ودرجة الإرهاق أو الخسارة الجسيمة المؤكدة والثابتة التي تصيب المدين جراء تنفيذه لالتزاماته المترتبة عليه بموجب العقد الذي هو طرف فيه، وكيفية معالجة الاختلال في التوازن الاقتصادي بتعديل وموازنة الالتزامات بين الطرفين، وإذا تعذر ذلك يلجأ إلى انفساخ العقد والتعويض.
وهذا الأمر هو الذي يميز نظرية الظروف الطارئة عن القوة القاهرة، حيث إن القوة القاهرة في حال تحققها تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً وبها ينقضي العقد، بينما الظرف الطارئ يجعل تنفيذ الالتزام مرهقاً دون أن يبلغ حد الاستحالة، والإرهاق هو الشرط الوحيد الذي ينتج أو ينشأ من العقد نفسه وينقل نظرية الظروف الطارئة من الميدان النظري إلى ميدان العمل. وإذا لم يحصل شرط الإرهاق امتنع تطبيق نظرية الظروف الطارئة.
مما تقدم نخلص إلى أن الاختلال بالالتزامات العقدية في ظل وباء كورونا، يعطي الحق لأطراف العلاقة التعاقدية التي نشأت قبل انتشار الوباء وفرض الدولة للحظر، تعديل الالتزامات التعاقدية بما يتوافق مع التوازن الاقتصادي للعقد. والذي تنطبق عليه كافة شروط نظرية الظروف الطارئة وليست نظرية الظروف القاهرة التي تؤدي إلى فسخ العقد.
@FarisLawksa