استمعت وشاهدت «كمواطن» مثل غيري من الشعب السعودي الذي يهتم بأموره الحياتية، والناس يصمتون، ويتحكمون بأنفسهم ما لم يمس دينهم «أساس حياتهم المعنوية» وما لم تمس أموالهم «أساس حياتهم المادية»، فإذا مس ذلكما تحدث ردات فعل قوية ومختلفة في الكم والكيف والمعنى والمبنى حسب الشخصيات والعقول، وهذا ما لمسته من ردود فعل الناس حول ظهور بعض المسؤولين في برنامج إعلامي ليحاورهم المذيع بعد قرارات صدرت من الحكومة، وكانوا يمثلون وزارات حساسة لها ارتباط بمال الناس ووظائفهم واقتصاد الوطن، ويهدف مجمل اللقاء إلى مناقشة القرارات الصادرة ومبررات صدورها، تضمن ذلك تصريحات من بعضهم وأحكام انتشرت عالميا فضلا عن الداخل «كنسبة انتاجية الموظف» واحتمالية افلاس الدولة بعد ثلاث سنوات، الخ، ولي على هذا اللقاء وتبعاته عدد من الوقفات المهمة:
هدف اللقاء، من وجهة نظري..أنه كان لتجلية الموقف وابراز المبررات لكنه كان متأخرا عن تحقيق الهدف، فلو كان اللقاء قبل القرارات لكان أنسب، ومثل القرارات الصادرة من الممكن عرضها أمام الناس اثناء نقاشها بالمجلس الاقتصادي أو في مجلس الشورى، واستقبال آراء الناس في ذلك ثم الحوار حولها فلربما قدم مستشار رأيا غائبا أو نبه لمشكلة قادمة، كمثل لو جدولت القرارات، وتدرج بها، أو أعلنت وتطبيقها يكون بعد ٦ أشهر مثلا، والبعض يستغرب لماذا لا يتم مناقشة هذه الأمور المهمة في القنوات التلفازية الرسمية وتعطى مجالا في الحرية المنضبطة.
اهمية الحوار، مهما اتفقنا او اختلفنا حول هدف اللقاء وطبيعة الحوار ومصداقية المعلومات «فحوار المسؤولين يعتبر نقطة مضيئة.. إذ يرسم صورة للقرب ولكن لينجح حوار المسؤول لا بد من توفر عناصر النجاح: المباشرة، الوضوح، التواضع، دقة المعلومات، الانتباه للأحكام التي يصدرها المسؤول، فمثل هؤلاء» الذين في الحوار مسؤولون، ويصرحون بمعلومات في الإعلام، إذن التصريح مهم والمعلومات خطيرة فلذا وجب التأكد قبل التصريح، والتروي في إصدار الأحكام «وما تصريح انتاجية الموظف عنا ببعيد»!
السلطة الخامسة، الإعلام الجديد.. لا شك انتشاره عجيب وتأثيره اعجب ومن الاهمية بمكان.. دراسة ردود فعل الناس واستثمار مشاركتهم وتصنيفها وترتيبها فالبرامج الاجتماعية اصبحت نوعا من الاستطلاع المجاني والمباشر والصادق، وخاصة المشاركين بالأسماء الصريحة، وذلك مما يسهل القرب من الناس، ويلاحظ أن «المسؤول والوزارة والادارة» التي فتحت حسابات وبرامج للتواصل مع الناس هي الأقرب والانفع، ونبض الناس معها قوي.
وباختصار.. لقاء الوزراء طلعت منه بعدة فوائد:
تحضير الشعب يسبق إعلان القرارات.
اهمية نزول المسؤولين للشعب والعيش مثلهم.
فرق بين برنامج معد ومجهز وبين برنامج حي ومباشر.
ضرورة الدراسات الشاملة، والمتجددة والموضوعية والعمل بتوصياتها.
لا تحرم من تحت يدك ثم تتكلم أمام الملأ بأنه سيئ وكسول فيكون الحرمان، والعقاب ثم التحطيم
خطورة التناقض بين التصريحات قبل عدة سنوات والآن خاصة «المالية» فالناس لا ينسون!
أخيرا.. مزيدا.. مزيدا من الحوارات الحية الموضوعية الفاعلة المثمرة.. ومزيدا من النقاش والنقد البناء.. فالبلد لا ينمو الا بتلاقح العقول، والوطن لا يشيده إلا المكاشفة والصراحة والاحترام، والدولة لا يبنيها إلا العاملون المخلصون، والشعب لا يكسبه إلا المهتمون به القريبون منه.