كانت اليونسكو قد حذرت في نهاية الشهر الماضي من أن أهم المواد الموجودة على الأرض، وهي المياه الصالحة للشرب، في تناقص مستمر؛ مما قد يكلف البشرية كثيراً في حياتها.
ولم تكن المنظمة العالمية بحاجة إلى التذكير بما لهذا المصدر من أهمية في حياة الكائنات جميعاً منذ وجودها على الأرض، فهو شيء فطري يعايشه الناس، ويدركون أهميته لهم؛ إذ إنه مصدر الوجود لهم، وللحيوانات التي يهتمون بها ويعتمدون عليها في غذائهم أو تنقلهم أو منافعهم الأخرى، وللنباتات التي تمدهم بما يحتاجونه من غذاء، وتسهم في توازن الطبيعة بصورة عامة. فأجسام البشر تتكون في 70% منها من الماء، بل إن الرضيع تزداد نسبة المياه في جسمه إلى 97%. ومع أن الأرض مغطاة بما يصل إلى 71% من سطحها بالماء، إلا أن جزءاً كبيراً منها مياه مالحة لا يمكن للإنسان الاستفادة منها في الشرب مباشرة. فلا تصل نسبة المياه الصالحة للشرب منها سوى 3% في الأنهار والبحيرات أو مياه الأمطار والمياه الجوفية في طبقات الأرض السفلى.
ومما يؤسف له أيضاً أن الجزء الأغلب من تلك المياه الصالحة للشرب لا يستفاد منها كما ينبغي لصالح البشر، بل يصب معظمها في البحار من خلال الأنهار، التي تنحدر من المصب المرتفع باتجاه البحر المقابل لها، دون أن يستفاد منها سوى للنقل المائي؛ غير أن أهمية الماء للشرب تفوق أهميته للاستخدامات الأخرى. فما يستهلك منه حسب تلك التقارير للشرب لا يتجاوز 17% في الدول المتقدمة في شمال أوروبا، عدا عن التلويث الذي تتعرض له الأنهار والمياه الراكدة في كثير من البلدان المتخلفة. هذا على المستوى البشري العام. أما على المستوى الفردي، فإن الإنسان ما زال غير مدرك عملياً لأهمية هذا العنصر البالغة في مستقبل البشرية بشكل عام. إذ إن مستوى الاستهلاك للفرد في أوروبا من المياه للاستحمام والغسيل يصل إلى قرابة 44 لتراً في اليوم، وفي كل استخدام للمرحاض تنساب قرابة 33 لتراً منها في مجاري التصريف؛ بينما ما يستهلكه المرء منه للشرب والأكل لا يتجاوز خمسة لترات في اليوم. أما الصناعة، وبعض الأعمال والخدمات التي كان يمكن الترشيد فيها، أو استخدام وسائل أخرى غير المياه في تقنياتها، فإنها تستهلك نسبة كبيرة جداً من تلك المياه الصالحة للشرب.
وإذا انتقلنا إلى التفاصيل والفروقات بين الأقاليم المختلفة على سطح الأرض، نجد أن بعض المناطق من تلك الأقاليم تملك نسبة أكبر من المياه الصالحة للشرب، خاصة في كندا وغرب أمريكا اللاتينية والنرويج وسويسرا والنمسا وبعض بلدان غرب أفريقيا؛ بينما تملك الكفاية منها بقية بلدان أمريكا الجنوبية ووسط القارة الأفريقية وروسيا وأستراليا وبعض بلدان جنوب شرق آسيا، ثم بدرجة أقل أوروبا والولايات المتحدة وبلدان جنوب الصحراء في أفريقيا، إضافة إلى تركيا وأوكرانيا وأرمينيا والمنطقة المحاذية لها.
أما مناطق النقص الكبير، فتبدأ في الأقاليم التي لا يصل نصيب الفرد فيها من المياه الصالحة للشرب إلى 1700 مترمكعب في السنة، وتمثلها في كل من آسيا الهند وباكستان وأوزبكستان، وفي أفريقيا إريتريا وإثيوبيا والصومال وأوغندا وزامبيا ونيجيريا. وبدرجة أشد (أقل من 1000م3) يكون النقص في كل من جنوب أفريقيا وكينيا والسودان ومصر وبوركينا فاسو والمغرب وسوريا. لكن الخطر الأكبر في بلدان ينقص فيها عن 500م3، وهي شبه الجزيرة العربية وجيبوتي والأردن وليبيا وتونس والجزائر. فلماذا لا تشكل هذه البلدان الأخيرة على الأقل منظمة اقتصادية؛ للبحث عن الحلول لهذه الأزمة الوجودية؟