«تكاليف التصنيع في الصين للقطاعات كثيفة العمالة يمكن أن ترتفع بشكل كبير، خلال العقد المقبل أو نحو ذلك، بسبب تراجع عدد المواليد»
«تباطأ معدل نمو كل من القوى العاملة المهاجرة والقوى العاملة الحضرية عامة بشكل كبير في الصين منذ عام 2017»تنوي الصين السماح للأزواج بإنجاب ثلاثة أطفال، مع الاستثمار بصورة أكبر في التعليم ورعاية الأطفال، وذلك بعد عقود من إلزام معظم العائلات بإنجاب طفل أو اثنين فقط. وهذا التغير مرحب به، لكن النجاح المحدود الذي حققته العديد من البلدان الأخرى التي حاولت تعزيز عدد المواليد باستخدام الحوافز المالية، والاستجابة الضعيفة لتغيير مماثل في سياسة الدولة تم خلال عام 2015، يعني أنه ربما فات الأوان لتجنب أسوأ أزمة ديموغرافية في الصين، كما ستنتقل آثار التراجع الكبير للمواليد في البلاد إلى كل ركن من أركان الاقتصاد العالمي تقريبا.
وبالطبع فإن القوى العاملة الصينية الأصغر حجما لا تعني بالضرورة ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية التي يحتاج إنتاجها إلى الكثير من العمالة، حيث يعتمد ذلك أيضا على عدة عوامل أخرى، مثل: معدلات الطلب، ومستويات الأتمتة، وتقنيات النقل، وأشياء أخرى كثيرة.
ولكن مع تساوي كل الأشياء، يبدو ارتفاع تكاليف التصنيع في القطاعات كثيفة العمالة بشكل إجمالي أمرا مرجحا بشكل كبير، خلال العقد المقبل أو نحو ذلك، خاصة إذا استمرت الهند في المعاناة من ضعف البنية التحتية والحمائية الاقتصادية.
وربما تقدم دول مثل فيتنام يد المساعدة في حل هذه المشكلة، لكن الفارق- بينها وبين الدول المنتجة الكبرى- يجعلها أقل بعدة درجات من حيث الحجم، حيث تعتبر مقاطعة غوانغدونغ الصينية وحدها موطنا لحوالي 30 % أكثر من عدد السكان الإجمالي في فيتنام.
وأحد الأسباب الذي جعل الدور الذي لعبته الصين في الاقتصاد العالمي ذا تأثير هائل على أسعار السلع كثيفة العمالة هو أنها حددت توقيت انفتاحها على العالم تماما، من الناحية الديموغرافية.
ومنذ عام 1990 حتى 2010، ارتفعت النسبة المئوية لسكان الأمة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاما -وهي بالفعل مرتفعة بشكل معقول الآن- بنحو 10 نقاط مئوية لتصل إلى 75 %.
ولم تتم إتاحة ميزة القوى العاملة الهائلة والرخيصة فجأة للمنتجين متعددي الجنسيات فحسب، ولكن تلك القوى العاملة في المجمل كان لديها أيضا عدد قليل نسبيا من الأشخاص الذين يعيلونهم للاعتناء بهم، كما كان العمال أكثر انفتاحا على المخاطرة، ومطاردة فرص العمل بعيدا في المدن الساحلية الكبرى.
ومع ذلك، لم يعد هذا هو الحال مؤخرا على نحو متزايد، فحوالي نصف العمال المهاجرين في الصين تزيد أعمارهم على 40 عاما، وفقا لبيانات كوميرز بنك، مقارنة بحوالي 30 % في عام 2008. وسيجد الكثير منهم أنفسهم مسؤولين عن إعالة والدين مسنين في وطنهم.
وتباطأ معدل نمو كل من القوى العاملة المهاجرة والقوى العاملة الحضرية عامة بشكل كبير منذ عام 2017، في الوقت الذي بدأ فيه عدد السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاما في الانخفاض بصورة جدية.
وهذا اتجاه أكثر إثارة للقلق من انخفاض النمو السكاني نفسه. وهو يعني ضمنا أن أحد المصادر الرئيسية لنمو الإنتاجية الصينية -والمتمثل في نقل العمال من قطاعات الزراعة ذات القيمة المضافة المنخفضة، أو الخدمات المحلية، إلى قطاع التصنيع ذي القيمة المضافة العالية- قد يكون بدأ في التخبط بسبب بعض العراقيل الطبيعية.
وحتى قبل إضرار وباء كوفيد 19 بالاقتصاد، أظهرت البيانات الرسمية أن نمو القوى العاملة في المناطق الحضرية قد انخفض إلى أقل من 10 ملايين في عام 2018، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك منذ عام 2002، واستمر هذا الاتجاه في عام 2019. وتظهر بيانات المسح أيضا أن عدد الوظائف الحضرية المتاحة للعمال المقيمين بالمناطق الحضرية ارتفع بشكل مطرد منذ عام 2017.
أيضا، يمكن أن يؤثر كل من تقدم أعمار السكان وبطء نمو الكثافة السكانية على أسعار السلع الأساسية بطرق مهمة. ففي الوقت الحالي، تحاول بكين إظهار إجرائها لتقدم سريع في ملف انبعاثات الكربون من خلال عمل تخفيضات قسرية لإمدادات الصلب، مع رفع الأسعار، ووضع عراقيل أمام مَنْ يشترون السلع الصناعية.
ولكن على مدى العقدين المقبلين، قد يكون السكان الأكبر سنا الذين يعانون من ندرة المدخرات أقل ميلا إلى استثمار أموالهم التي حصلوا عليها بشق الأنفس في شقق جديدة، وسيصبحون أكثر اهتماما بالدخل الثابت ذي التدفقات النقدية الموثوقة، خاصة إذا كانت بكين ستقبل المشقة الناتجة عن إجراءات الإصلاح المالي، ورأس المال، وقواعد الحسابات.
ولن يؤثر ذلك على سوق الصلب فحسب، بل سيمتد أيضا إلى الطلب على النحاس. ويبدو أن العديد من المستثمرين ينظرون إلى النحاس على أنه سوق مضمون، نظرا للدعم الذي يتلقاه من الاستثمار في الطاقة النظيفة والسيارات.
ولكن اعتبارا من عام 2018، استمر قطاع البناء كأكبر مصدر للطلب على النحاس في الصين، وفقا لشركة التعدين العملاقة بي أتش بي، حيث يمثل 26 % من إجمالي الطلب، ويتفوق على قطاع الطاقة والسلع الاستهلاكية المعمرة، البالغة نسبتهما 22 % و23 % على التوالي. وإذا توقفت الأسر الصينية المستقبلية عن النظر إلى العقارات بوصفها أفضل استثمار مالي لهم، فإن تضرر الطلب في كل سلعة صناعية رئيسية تقريبا سيكون كبيرا.
ويعتبر التضخم -كما يكتشف محافظو البنوك المركزية مرة أخرى هذا العام- وحشا مخادعا، وفي العالم الغربي على الأقل، يميل قطاع الخدمات إلى أن يكون ذا أهمية تساوي أو أكثر أهمية بالنسبة للمستهلكين. ولكن ما لم تثبت جهود الصين في أتمتة وتوسيع مجموعة العمالة أنها أكثر فاعلية مما هو متوقع، فقد يشعر المصنعون المسؤولون عن القطاعات كثيفة العمالة في كل مكان بالضغط خلال السنوات المقبلة. وقد يجد العديد من منتجي السلع الأساسية أنفسهم مع عملاء أقل مما كان متوقعا أيضا.