هناك لعبة يسمونها بالعربية الفصحى «الخذوف»، أما باللغة الدارجة فيطلق عليها «البوميرانج»، وهي أداة ملوية تصنع من الخشب غالبا أو البلاستيك، وتدور بسرعة عند رميها بطريقة صحيحة ثم تعود لراميها، وهي اللعبة الأقرب شبها بلعبة الحياة، فالإنسان يتلقى من نفس نوع الأشياء التي يعطيها، فأفكاره وأفعاله وكلماته ستعود إليه عاجلا أم آجلا بدقة مذهلة، وهذا ما يطلق عليه قانون الكارما، وهو مصطلح سنسكريتي الأصل مشتق من "كرمان" وتعني العمل، وموجودة في بعض الديانات الشرقية بما في ذلك البوذية والهندوسية، لكن مفهومها الأساسي ثابت في كل الرسالات السماوية، بأن كل ما يزرعه الإنسان سيحصده، وصاحب الوعي المرتفع يلاحظ ارتداد الكارما بشكل أسرع، فكلما ازداد وعي الشخص ازدادت مسؤوليته تجاه ذلك القانون الروحي، والرضوخ يسبق القوة، فتتحقق الحرية عندما نتحلى بالتناغم مع القانون، فحين يرضخ الإنسان سيستجيب القانون، فعلى سبيل المثال يجب على الإنسان الامتثال لقانون الكهرباء إذا أراد أن يستعمله، أما إذا تعامل بجهل فسوف يصبح عدوه القاتل، والفوز الأسمى في لعبة الحياة هو أن نرى الخير الكامن في الأشياء، وأن نتغلب على الأنا الأمارة، بإعادة برمجة قناعاتنا نحو الخير، والتأني في إطلاق الأحكام والمسميات نحو الأحداث، فكل ما يقوم به المرء سيعود إليه، ومن يريد الحصول على شيء ما فليجد به على غيره أولا، ويمثل ذلك مبدأ السبب والنتيجة، فالكارما دقيقة جدا ولا تخطئ، وهي قادرة على اكتشاف بذرة الشر في العمل أينما وجد سواء بالفعل أو النية، فالعمل الإنساني المبني على دوافع غير إنسانية سيولد نتائج سيئة على صاحبه، والنوايا الخفية والأفكار الكامنة ستتجلى يوما في الواقع لإثبات التزام صاحبها فيها. فإذا قام أحدهم بتبرعات خيرية بدافع الاستعراض أو إثارة الاهتمام حوله سينتج عن هذا الفعل كارما سيئة رغم أن العمل في ظاهره حسن، فليس للإنسان إلا ما نوى، ولدينا الكثير من الاستدلالات القرآنية التي تدعم ذلك المفهوم، فهي أعمالنا وتوفى إلينا، وما يحصل لنا أحيانا من عقبات هو نتيجة أعمال سابقة فعلناها ولم يتم الاستغفار منها، فاحتفظ بها الكون في سجل معلوم منذ ذلك الوقت ليردها الآن، وسيبقى التاريخ يكرر أحداثه حتى نتعلم ما نحتاج لمستقبل أفضل، وثبات الحال في نفس المكان يدل على وجود شيء لم يعالج بعد.
وحين يتغير ما بداخلنا من أفكار ونوايا سيتغير ما حولنا من أحداث وأشخاص، فما يحيط بنا مجرد مرآة لأنفسنا، ولتغيير العالم الخارجي يجب أن نقبل بالمسؤولية عما أنشأناه، وأن نغير أنفسنا نحو الأفضل لكي نرى التغيير ينعكس في العالم من حولنا، ويعتبر قانون الكارما المعادل الروحي لقانون نيوتن للحركة، فلكل فعل هناك رد فعل مساو له منعكس في الاتجاه، فعندما نظهر قوة سلبية في الفعل سترتد الطاقة السلبية إلينا. وكذلك إذا أظهرنا قوة إيجابية في الفعل فإن الطاقة الإيجابية ستعود إلينا، فهذا القانون كوني.
وحتى نشفي جذورنا علينا أن ندرك الخطأ ونعترف به أولا.
LamaAlghalayini @