«إن أصحاب الأعمال المحتملين سيبحثون على الأرجح عن ميزات مثل المرونة والقدرة على التكيف، عند اتخاذ قرار بشأن التعيينات الجديدة»يتساءل بعض العمال الأمريكيين، الذين عانوا من تأثيرات جائحة كورونا، التي دمرت سوق الوظائف وأعادت تشكيل هيئة مكان العمل، هل سيبقون في مهنتهم؟.. أم سيضطرون لبدء حياة مهنية جديدة تماما؟«تريد الشركات دائما شخصا يمكنه التكيف مع الظروف المختلفة».. براد هيرشبين ـ كبير الاقتصاديين في معهد أبجون لبحوث التوظيف دابليو إي
فمن جانب يعمل الكثير من الموظفين حاليًا على تعزيز مهاراتهم أو إعادة تحديد الأولويات الوظيفية لديهم، ومن تلك الأولويات مثلًا: الصناعة التي يعملون فيها، أو مكان العمل خاصتهم، أو المسمى الوظيفي الذي يحملونه.
وعلى الجانب المقابل هناك موظفون آخرون قرروا الحصول على دورات أكاديمية لإضافة خبرات جديدة، وإعادة ابتكار أنفسهم في مجالات مختلفة تمامًا عن مجال عملهم الأصلي.
وينصح الخبراء الأفراد في كلا الجانبين - سواء كانوا من الباقين في مجال عملهم الأصلي، أو أصحاب قرار البدء في مهنة مختلفة تماما - بالقول «إن أصحاب الأعمال المحتملين سيبحثون على الأرجح عن ميزات مثل المرونة والقدرة على التكيف، عند اتخاذ قرار بشأن التعيينات الجديدة».
ويقف تسريح العمال المتزايد كسبب رئيسي وراء ظهور بعض هذه التغيرات المهنية، بينما غيّر آخرون من شكل وظائفهم بسبب رغبتهم في الحفاظ على أشغالهم في ظل أوضاع الاقتصاد المتغيرة.
وفي الفترة الحالية، نقص عدد الوظائف في سوق العمل الأمريكي حوالي 15 مليون وظيفة أقل مما كان عليه في فبراير، وخلال الشهر الماضي ارتفعت خسائر الوظائف المرتبطة بالوباء في الولايات المتحدة بشدة. ويقول الاقتصاديون إن الشركات التي تسرّح العمال أثناء الأزمات غالبًا لا تعيدهم عندما تتحسّن الأعمال، ويبدو أن العديد من العمال يفهمون ذلك.
ويقول بول أوسترمان Paul Osterman، الخبير الاقتصادي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الذي يدرس كيفية اكتساب العمال للمهارات، إن التحاق الطلاب بالكليات المجتمعية يزداد عادة خلال فترات الركود. ويتمتع العمال الآن بإمكانية الوصول إلى مجموعة هائلة من الفصول الدراسية والشهادات المعتمدة عبر الإنترنت، بتكاليف تتراوح بين الحصول عليها بشكل مجاني تمامًا حتى دفع آلاف الدولارات.
وكان بول بارنز Paul Barnes يبحث بالفعل عن وظيفة جديدة عندما فقد وظيفته كمطور منتجات في ماركة الملابس النسائية ناتوري كو Natori Co في شهر ديسمبر الماضي. ولكن بمجرد أن بدأت الضربة الأولى لجائحة فيروس كورونا، فقد العديد من الفرص التي كان يسعى إليها. ويقول: «أدركت أنه إذا لم أجد وظيفة قبل وباء كورونا، فإن فرص عثور شخص مثلي على وظيفة الآن باتت أقل، لذلك أنا بحاجة حقًا إلى اكتشاف حل حقيقي لمشكلتي».
ورغم حصول بارنز على شهادة معهد تكنولوجيا الموضة Fashion Institute of Technology قبل عام واحد فقط، فقد بحث عن مهارات جديدة لاكتسابها وتعلّم في مدرسة سبرينج بورد Springboard للترميز عبر الإنترنت. ولكن مجال هندسة البرمجيات لم يجذب بارنز، البالغ من العمر 33 عامًا، لكنه انجذب إلى مجال يُعرف باسم اليو إكس ديزاين UX Design، وهو اختصار لجملة «تجربة المستخدم». وينصب تركيز اليو إكس ديزاين على الخروج بمفهوم، كما أن دخول بارنز إلى هذا المجال يذكره بعمله السابق بشكل أفضل.
وأنهى بارنز البرنامج ذا الستة أشهر مبكرًا نهاية أغسطس الماضي، ويأمل في العثور على وظيفة في مجال اليو إكس ديزاين بدوام كامل. ويقول: «أشعر بتفاؤل كبير، فالعمل عن بُعد، مع إمكانية القيام بعمل مستقل أو عقد عمل أو الانطلاق في مجال لا يتعين علي فيه الذهاب إلى العمل كل يوم، والحصول على أجر أكثر قليلا مما تقدمه صناعة الأزياء، يبدو جيدًا بالنسبة لي».
ويقول براد هيرشبين Brad Hershbein، كبير الاقتصاديين في معهد أبجون لبحوث التوظيف دابليو إي: «أفضل نصيحة يمكنني تقديمها للباحثين عن وظائف هي عدم محاولة التنبؤ بالمهارة التي ستكون أكثر طلبًا في السوق، ولكن يجب أن يكون لدى المتقدم القدرة على إظهار رغبته في التعلم والتكيف». وأضاف: «تريد الشركات دائمًا شخصًا يمكنه التكيف مع الظروف المختلفة. إذا كان بإمكانك إثبات ذلك في تاريخ عملك أو تعليمك، فسيمكنك وقتها التسويق لنفسك، وهي أكثر المهارات مرونة، التي يمكنك الحصول عليها».
وفي نفس الإطار، يقول مايكل جرين وهو مستشار في علوم البيانات والتحليلات في مؤسسة داتا كوتش Data Coach، وهي جزء من شركة التحليلات تيسيلاشن Tessellation. إنه يساعد الأشخاص الذين يتطلعون إلى الحصول على وظائف في صناعة علم البيانات.
وغيّر جرين نفسه مجال عمله وحصل على وظيفة في صناعة علم البيانات، بعد أن كان يدرس الهندسة الميكانيكية في عام 2014 كمصمم إطارات في ميشلان. ولكن بمرور الوقت، أصبح مهتمًا بكيفية تحسين علم البيانات لعمل فريقه، وذلك باستخدام فصول مجانية عبر الإنترنت ليصبح مستخدمًا متقدمًا لبرنامج إكسل Excel ولتعلم لغة البرمجة «أر R»، وهي لغة برمجة للحوسبة الإحصائية.
وباستخدام معرفته بتصميم الإطارات والنموذج الإحصائي، توصّل جرين إلى طريقة للتنبؤ بالوقت الذي يؤدي فيه المطاط الزائد العالق داخل القالب إلى وجود خلل في الإطار.
وحتى قبل الوباء، كما يقول، كان يرى تدفقًا من العملاء الذين لديهم معرفة رائعة بعلوم البيانات لكنهم لم يعرفوا كيف يجذبون انتباه مديري التوظيف لمؤهلاتهم. وينصح جرين العملاء ببدء محادثات مع الأشخاص في الشركات التي يريدون العمل فيها، وشرح كيف يمكن أن تكون مهاراتهم شيئًا مفيدًا في مجال عملهم. بقوله: «في النهاية، تريد التعلم من المديرين، وإقناعهم بأنه يمكنك أيضًا مساعدتهم في حل هذه المشكلات».
ويجب أن يتمتع الأفراد الذين هم على عتبة حياتهم المهنية بالمرونة في بحثهم عن الوظائف. فعلى سبيل المثال، يركز ريتشارد آهن Richard Ahn، الذي يبحث عن عمل بعد تخرجه في مايو من جامعة تكساس في أوستن، على الموقع أكثر من الشركة. وكان آهن، البالغ من العمر 21 عامًا والمتخصص في إدارة سلسلة التوريد، يبحث عن عمل في لوس أنجلوس وشيكاغو وسان فرانسيسكو. ولكن عندما توقفت المقابلات لوظيفة في شيكاغو مع يونايتد إيرلاينز بسبب الوباء، قرر أن يبحث عن المزيد من الفرص على نطاق أوسع. وكان يأمل في العثور على عمل في مجال المشتريات، ولكنه وسع ذلك ليشمل أي وظيفة في إدارة سلسلة التوريد.
ليس هذا وحسب، حيث يتقدم الآن لشغل وظائف في عدة مناطق، مثل: هيوستن وسان دييغو وأوستن وسياتل - وهي قائمة طوّرها من خلال البحث في الصناعات والشركات النامية التي يوجد مقرها الرئيسي في كل مدينة. ويقول آهن: «أهتم كثيرًا بمكان العمل أكثر من الشركة نفسها، لكنني أريد في الوقت نفسه أيضًا العمل في شركة رائدة في الصناعة».
على الجانب الآخر، ولمدة عام ونصف العام، عملت ماجي بلانشارد Maggie Blanchard كمساعدة لمدرب تنمية بشرية ومؤلف كتب، وسافرت عبر البلاد من منزلها في ناشفيل بولاية تينيسي إلى المؤتمرات التي ظهر فيها رئيسها. ولكن تم تسريحها عندما توقفت محاضرات التنمية البشرية أثناء الوباء.
وقتها بدأت بلانشارد، التي تبلغ من العمر 26 عامًا، قيادة سيارة تابعة لشركة بوست ماتيس Postmates، ومن خلال ميزة تقدمها شركة التوصيل لمقاوليها المستقلين، بدأت في أخذ فصل في الفلسفة يسمى «جاستس Justice» من خلال منصة التعليم عبر الإنترنت إي دي إكس EdX. وتقول بلانشارد إن الدروس التي حصلت عليها كان الهدف منها هو إثقال مهارات مثل التحليل والتفكير النقدي والمرونة، مما سيعود بالنفع على حياتها المهنية.
وتختتم بلانشارد قائلة: «وظيفتي السابقة لم تعُد موجودة». «ولم يشغل أحد وظيفتي القديمة، لذا فكّرت مليًا فيما يمكنني تغييره للحصول على وظيفة جديدة، ووجدت أن الشيء الوحيد الذي أستطيع فعله هو تغيير نفسي أولًا».