«وباء كورونا أثبت أن العمل عن بعد ليس صعبا كما يبدو»..بعد خسارة آلاف العاملين وظائفهم خلال جائحة فيروس كورونا، يعمل قطاع النفط الآن على استعادة قوته عبر التبنّي السريع لتقنيات الحفر والتكسير الهيدروليكي عن بُعد، وتلك التغييرات ستعيد تشكيل القوى العاملة في القطاع للأبد.إريك كار- شركة هاليبرتون«التبني المتسارع للتكنولوجيا سيكون الأساس للوضع الطبيعي الجديد في صناعة النفط»..
جايلز باول - المتحدث باسم شركة شلمبرجير
وقامت شركات شلمبرجير Schlumberger المحدودة، وهاليبرتون Halliburton وبيكر هيوزBaker Hughes، وهي أكبر ثلاث شركات لخدمات حقول نفط في العالم، بإلغاء المزيد من مهمات الحفر المباشر على يد المتخصصين داخل مواقع الآبار، ونقلها إلى المهندسين عن بُعد ممن أصبحوا يعملون من مكاتبهم أو منازلهم بصورة متزايدة.
وتقول الشركات، التي تقوم بالكثير من العمل الميداني لمنتجي النفط والغاز، إنهم يقومون بتغيير أدوات العمل الخاصة بهم لمناسبة سوق التكسير الهيدروليكي الأمريكية، التي يتوقعون أنها ستكون أصغر حجمًا في الفترة المقبلة، لكن هذه التغييرات على وشك أن تكون دائمة، وذلك مثال واضح على كيفية دفع الوباء للصناعات لإعادة التفكير في كيفية القيام بأعمالها.
وقبل الوباء، كان العديد من منتجي النفط يشعرون بالقلق من الابتعاد عن وسائل الحفر التقليدية، التي تشمل وجود متخصصين في الموقع لتوجيه رأس المثقاب في أعماق الأرض، أو تفسير بيانات الآبار في الوقت الحقيقي. لكن الوضع الحالي شجّعهم على البحث عن طرق جديدة لخفض التكاليف مع تقليل مخاطر انتشار فيروس كوفيد-19، حسبما يؤكد المديرون التنفيذيون بالقطاع.
ويقول إريك كار Eric Carre، نائب الرئيس التنفيذي لخطوط الأعمال العالمية في هاليبرتون: «تجربة كورونا فتحت أعين الكثير من المديرين التنفيذيين، ممن قاموا بالعمل من منازلهم، حيث أثبت الوباء أن العمل عن بُعد ليس صعبًا كما يبدو».
ويعني هذا التحوّل أن المزيد من العاملين في صناعة النفط سيتعيّن عليهم التكيّف مع التقنيات الجديدة، وستركّز الشركات في النهاية على توظيف المزيد من المتخصصين في تحليل البيانات والخبراء المتخصصين لدعم العمليات المتعددة التي تتم عن بُعد، وفقًا لما يؤكده المديرون التنفيذيون والمحللون.
وستختفي تدريجيًا بعض الوظائف التقليدية في قطاع النفط، لاسيما الوظائف المرتبطة بالتشغيل اليدوي للحقول والوظائف التشغيلية والتصنيعية، ويقول كار عن ذلك: «لن تتواجد الكثير من الوظائف مستقبلًا».
وكان الفيروس حافزًا على تسريع اعتماد الأتمتة والتقنيات الأخرى في الكثير من الصناعات، بما في ذلك شركات مثل تايسون فودزTyson Foods العملاقة لتعبئة اللحوم، والتي حوّلت المزيد من العمل إلى الجزارين الآليين، ومصانع شركة أبتار جروب AptarGroup التي خصصت رأس مال كبيرًا لتصنيع الآلات التي يمكنها ضخ الصابون والمطهرات اليدوية بشكل أسرع.
وفي قطاع النفط، تم إنجاز أكثر من ثلثي عمليات الحفر بالربع الثاني في شلمبرجير وبيكر هيوز عن طريق العمل عن بُعد، بزيادة 25٪ لشركة شلمبرجير و20٪ لشركة بيكر هيوز على التوالي.
وقالت هاليبرتون، أكبر شركة حفر بالولايات المتحدة، إنها خفضت عدد المهندسين الذين يراقبون وظائف التكسير من خلال تحويل الحفر إلى مراكز العمل عن بُعد، التي تراقب عمليات التكسير الهيدروليكي في الوقت الحقيقي.
وقالت الشركات إن نقل مواقع العمل وإغلاق المرافق ساعدا على توفير المال في الوقت الذي لا يزال فيه العمل شحيحًا في قطاع النفط بعد انهيار أسعار الخام بفصل الربيع، حيث أدى فيروس كورونا لانخفاض تاريخي في الطلب العالمي على النفط، بعدما بقي الملايين حول العالم في منازلهم وتجنّبوا الطيران والقيادة، ولا يزال الطلب يتعافى.
وقبل الانهيار في أسعار الطاقة، كانت الولايات المتحدة قد رفعت إنتاج النفط الخام أكثر من السعودية وروسيا، على الرغم من أن قطاع التكسير الهيدروليكي الأمريكي كان به عدد أقل من الحفارات العاملة، وعدد أقل من عمال حقول النفط، مقارنة بما كان عليه في عام 2014، عندما كان يتم تداول النفط بسعر فوق الـ100 دولار للبرميل.
ووفقًا لبيانات مكتب إحصاءات العمل الأمريكي، كان عدد العاملين في أنشطة الدعم لعمليات النفط والغاز في نهاية عام 2019 أقل بنسبة 26٪ مما كان عليه في الذروة الأخيرة قبل ست سنوات.
والسبب وراء عدم رجوع الكثير من الوظائف هو أن الشركات الأمريكية اكتشفت طرقًا لاستخراج المزيد من النفط بعدد أقل من العمال، وذلك بعد انخفاض الأسعار في عامي 2015 و2016.
ويعتقد المديرون التنفيذيون والمحللون أن التقدم في الحفر عن بُعد والأتمتة يمكن أن يدفع القطاع ليكون أكثر صلابة، بعدما اضطرت الشركات إلى ابتكار حلول من أجل البقاء مرة أخرى.
وقال أوليفييه لو بوش Olivier Le Peuch، الرئيس التنفيذي لشركة شلمبرجير، أكبر شركة لخدمات حقول النفط في العالم، للمستثمرين في 24 يوليو الماضي إن شركته تهدف إلى مضاعفة حجم أعمالها الرقمية، والتي تشمل عمليات الحفر عن بُعد والتفتيش الرقمي في الصيانة والتصنيع وغيرها من التقنيات المصممة لخفض التكاليف.
ووصف جايلز باول Giles Powell المتحدث باسم الشركة التبنّي المتسارع للتكنولوجيا بأنه سيكون «الأساس للوضع الطبيعي الجديد في صناعة النفط».
وقامت شركة شلمبرجير، التي تملك مكاتب في باريس وهيوستن ولندن ولاهاي، بحفر 1250 بئرًا بمساعدة 250 مهندسًا يعملون عن بُعد في الربع الثاني.
وفي الوقت نفسه، تقوم الشركة بإلغاء 21 ألف وظيفة وإغلاق 150 موقعًا تشغيليًا ومنشآت هندسية وتصنيعية ومكاتب على مستوى العالم.
وتقوم هاليبرتون أيضًا بإغلاق 100 منشأة، وتوجيه جزء كبير من ميزانيتها إلى التطورات التكنولوجية بعد التوفير من خفض التكاليف الذي قامت به مؤخرًا.
وقال بول ماديرو Paul Madero، نائب رئيس خدمات الحفر العالمية في بيكر هيوز، إن الشركة تشهد طلبًا متزايدًا من منتجي النفط، ممن يطلبون القيام بخدمات الحفر عن بُعد لأول مرة، وهم يمثلون حوالي 40٪ من عملاء الشركة هذا العام. مضيفًا إنه بسبب القيود المفروضة على السفر، لم يكن بمقدور العديد من الشركات حفر بعض آبارها دون مساعدة المتخصصين عن بُعد.
ويشير جيمس ويست James West، المحلل في بنك الاستثمار إيفركو آي إس آي Evercore ISI إلى أن شركات النفط كانت بطيئة في اعتماد تقنيات العمل عن بُعد في السنوات الأخيرة؛ لأن البنية التحتية الخلوية كانت غالبًا غير كافية في المناطق النائية، حيث كانت تحفر الآبار، وكان الكثير منهم غير مرتاحين لوجود عدد أقل من الأشخاص في مواقع الحفر للتعامل مع أي مشاكل قد تظهر هناك.
وحسب ويست، كانت وجهة النظر السائدة في القطاع أن «هذه هي الطريقة التقليدية التي تعمل بها شركات النفط دائمًا»، على الرغم من أن الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا بالقطاع خفف بعض هذه المخاوف.
وكانت شركة شيفرون Chevron الأمريكية النفطية العملاقة من بين الذين استفادوا من مرونة الحفر عن بُعد هذا العام. فمع انتشار الوباء، تمكنت الشركة من نقل فريق العمل الذي يعيش معظم أفراده في هيوستن إلى منازلهم لمواصلة دعم الحفر الموجّه عن بُعد في حوض بيرميان في غرب تكساس ونيو مكسيكو والقيام بعمليات حفر أخرى.
وقال جيف نيوهوك Jeff Newhook، مدير أحد مراكز العمليات عن بُعد في شيفرون ومقره هيوستون، إن الحفر عن بُعد مكّن المتخصصين من اتخاذ قرارات أسرع وجعل التواصل والتعلم بين فرق العمل أكثر سهولة.
وأضاف: «إنهم يديرون أكثر من بئر في نفس الوقت، وهم آمنون كحالتهم قبل انتشار الوباء، ويجلسون في نفس الغرفة، أو يتحدثون عبر منصة مايكروسوفت تيمز».
أيضًا، العمل عن بُعد جعل الحياة أسهل بالنسبة لجوست دي فيرجود Joost de Vreugd، مدير العمليات عن بُعد في بيكر هيوز بالشرق الأوسط.
فقبل الوباء، كان دي فيرجود يتنقل على متن طائرة هليكوبتر لفترات طويلة للإشراف على المنصات البحرية. لكنه الآن، يعمل في الإمارات العربية المتحدة في مكتب يشرف على الحفر عن بُعد في جميع أنحاء المنطقة. وقد سمح له ذلك بالذهاب إلى المنزل بعد العمل، وقضاء المزيد من الوقت مع عائلته، بينما أصبح من أوائل المستفيدين مما يسميه بـ«التحول على مستوى الصناعة».
واختتم قائلًا: «في صناعة النفط والغاز كنا نتردد كثيرًا قبل تبنّي التغيير»، وأضاف: «لكننا نرى الكثير من التحولات مقبلة الآن».