27 % ارتفاعا في أسعار الذهب خلال عام 2020ففي يوم الإثنين الماضي، وصل سعر عقود الذهب الآجلة لمستوى قياسي، وارتفع المعدن النفيس حتى الآن بنسبة 27٪ في عام 2020، مقارنة بعائد إجمالي أقل من 1٪ لمؤشر إس آند بي 500. ولا ينتج الذهب أي دخل ولكنه يشكل تحوطا آمنا ضد ارتفاعات أسعار المستهلك، لذلك كان المحرك الرئيسي لنشاط المعدن الأصفر الملحوظ هو انخفاض عائدات سندات الخزانة المحمية من التضخم، بسبب التحفيز النقدي والانتعاش الأخير في توقعات التضخم، كما تسبب ضعف الدولار مع زيادة حالات كوفيد -19 في الولايات المتحدة تلقائيا بارتفاع أسعار السلع التي تعتمد على الدولار.«في الصحراء، يمكن أن تصبح الواحات الخضراء مزدحمة قليلا»... وهذا هو بالضبط ما يحدث في سوق الذهب هذه الأيام.
ولكن وكما قال موبين طاهر Mobeen Tahir مدير الأبحاث المشارك في مؤسسة ويسدم تري يوم الإثنين فهناك سبب آخر وراء نشاط الذهب الأخير، وهو أن «الذهب بات خيار البيع الجديد» (خيار البيع: هو عقد يمنح حامله الحق في بيع عدد من الأسهم بسعر متفق عليه مسبقا، قبل انتهاء صلاحية الخيار).
وكان المستثمرون يشترون الكثير من خيارات البيع الفعلية أيضا. وهذه العقود المشتقة، التي تمنح حامليها القدرة على بيع الأسهم بسعر محدد مسبقا للتأمين ضد عمليات البيع، هي الأساس لحساب مؤشر تقلب فيكس VIX أو كبوي Cboe المعروف أيضا باسم «مقياس الخوف» في وول ستريت، وذلك لأنه يشير إلى ما إذا كان المستثمرون يتوقعون مواجهة مؤشر إس آند بي 500 لصعوبات أو لا.
ومنذ أن انتعشت الأسهم بقوة في مايو، كان العديد من المحللين يشعرون بالحيرة حول أداء السوق، بالنظر إلى التأثير المدمر الذي أحدثه الوباء على الاقتصاد العالمي.
وطوال مسيرة الارتفاع في الذهب، ظل مؤشر فيكس مرتفعا، وهو أمر غير شائع. على مدار العقد الماضي، فنادرا ما كان مؤشر فيكس أعلى من 25، بينما كان إس آند بي 500 يسجل مكاسب شهرية قوية، كما فعل في الأشهر الثلاثة الماضية.
وقد تفسر حالة عدم اليقين الاقتصادي سبب حدوث كل هذه الأشياء في وقت واحد.
فمن النظريات الراسخة التي وضعها مارفن بارث Marvin Barth، رئيس مؤسسة باركليز لإستراتيجية النقد الأجنبي الكلي، هي أن فترات عدم اليقين المزمنة - التي لا يمكن قياسها غالبا - لا تتحول إلى فوضى شاملة يمكن توقعها، بل إلى «سياسة قطيع» بين المستثمرين، ممن يحتشدون جميعا في تلك الأصول القليلة التي تمثل مخاطر قابلة للقياس، أو بعبارة أخرى يركزون على «المعروف المجهول» بدلا من «المجهول المجهول».
فمن ناحية، ينظر إلى أسهم التكنولوجيا على أنها خيار رابح هيكليا ولديها تعرض محدود فقط لتأثيرات فيروس كوفيد -19، لذا، تماما مثل الذهب، يبدو أنها تشكل ملاذا اقتصاديا للمستثمرين ضد عدم اليقين، وبسبب ذلك ارتفع مؤشر ناسداك Nasdaq بنسبة 22٪ هذا العام.
ومن الناحية أخرى، تكبدت أسهم شركات الطيران والفنادق ونظرائهما خسائر، على الرغم من تحقيق تلك الأسهم لأرباح خلال الأوقات العادية، وذلك لأن الخسائر الناتجة عن حظر السفر كانت قابلة للقياس بشكل أو بآخر، كما يمكن للمستثمرين إعادة قياس تلك المخاطر في حالة العثور على لقاح الفيروس المنقذ للحياة.
وقال بارث: «لا أحد يعرف ماذا يمكن أن يفعل تجاه الأسهم التي تقع في المنطقة الوسطى» -يقصد الأسهم التي لا هي آمنة تماما، ولا تحمل مخاطرة بالضرورة-. وبالتالي، فإن معظم تداولات سوق الأسهم بدأت تتعرض للتهميش.
وحسبما تؤكد لجنة تداول السلع الآجلة فإن عدم وضوح الرؤية حول المستقبل يعني أيضا أن التهافت المعتاد من المتداولين الذين يجنون المال بالمراهنة ضد تقلبات السوق - وهو أمر يؤدي أحيانا إلى مزيد من التقلبات - لم يكن قويا بما يكفي للظهور مجددا، وذلك على عكس كل عمليات البيع التي شهدناها في الفترة الأخيرة.
لكن سلوك القطيع هذا خطر بشكل آخر أيضا، وذلك لأن استثمارات الذهب والتكنولوجيا، بالرغم من تعرضها لمخاطر قليلة نسبيا بالفعل، إلا أنها بدأت في التمدد بحجم أكبر من حجمها الطبيعي.
وبالنظر إلى أنه في أوقات الأنظمة عالية التقلبات يبحث المستثمرون دائما عن الملاذات المستقرة، ربما يمكن لهؤلاء المستثمرين إيجاد طرق جديدة للتحوط. من هذه الطرق على سبيل المثال، إستراتيجيات «استبدال المكالمات» بين الأسهم والخيارات (هي إستراتيجية تستخدم أدوات مالية أخرى لإعادة إنشاء حزمة تملك الأسهم بشكل أكثر فاعلية، وتوفر تحوطا ضد التقلبات)، والتي توازن بين الاتجاه الصعودي مقابل الدخل.
ختاما يمكن القول إنه في ظل الظروف الاقتصادية غير المؤكدة التي نمر بها الآن، من المنطقي أن يحاول المستثمرون تأمين أنفسهم. ومع ذلك، يجب أن يتذكروا أن معنى عدم اليقين هو أنه لا يوجد تأمين واحد يناسب الجميع.
«سلوك القطيع بين المستثمرين يشكل خطرا، وذلك لأن استثمارات الذهب والتكنولوجيا، بالرغم من تعرضها لمخاطر قليلة نسبيا بالفعل، إلا أنها بدأت في التمدد بحجم أكبر من حجمها الطبيعي».