على الرغم من كون فيروس كورونا المستجد يتمثل لنا كقاتل متسلسل خفي لا يرى بالعين المجردة، إلا أن أفعاله وتبعاتها ليست كذلك، وهي حقاً فظيعة وتدعو الجميع للعظة والعبرة، وقبل ذلك والأهم هو التصرف بجدّية توازي جدّية ما يحدثه من إنهاك وفتك في الجنس البشري بلا استثناء، من المؤسف أن تضطر قيادتنا بفرض حظر التجول الكامل في عدد كبير من المناطق نتيجة عدم التزام وتقيد الكثيرين بالإجراءات، والاحترازات المتخذة، في تصرف أقل ما يقال عنه تصرف أناني ولامسؤول.
إذا خرج المتحدث الرسمي لوزارة الصحة الدكتور محمد العبدالعالي ليتحدث بشفافية وجدية عالية تليق بطبيعة الحدث، بأن ما يقارب ٥٠٪ فقط هم من التزموا بالبقاء في المنزل والخروج للضرورة القصوى، في حين أن البقية كانوا يتنقلون ويتصرفون إزاء هذه الأزمة بتراخ وتساهل شديد، كما لو أنه لا يوجد كورونا في الصباح! فوجدنا مجموعات كبيرة تتزاحم من أجل طبق بيض، وأكياس خبز وأشياء أخرى، متجاهلة بأن شخصاً واحداً منهم قد يكون مصاباً بالعدوى، وبالتالي سيكون قادراً على أن ينقلها للمجموعة كافة، ومن ثم ستتكفل هذه المجموعة بنقلها لكل من يقابله بعد عملية الشراء والتجمع، ولنتخيّل عندها حجم الكارثة الذي ستحل علينا وعلى النظام الصحي، أولا نتخيّل، لأنه وكما ذكر الدكتور العبدالعالي أن النماذج والتجارب الواقعية موجودة على أرض الواقع، ولنا بالمصابة الكورية رقم ٣١ خيرُ مثال.
وبشفافية وجدية أكثر خرج وزير الصحة في خطابه مصارحاً إيانا بأن هنالك خيارين لا ثالث لهما في مقبل الأيام، والتي تعد أسوأ وأكثر الأيام خطورة، فالخيار الأول وهو الأفضل وصول عدد المصابين في حدود العشرة آلاف مما يسمح بتوجيه الرعاية الصحية الكاملة لهم، أما الخيار الثاني وهو الأسوأ فوصول عدد المصابين إلى حدود المائتي ألف، وفي هذا انهيار تام للنظام الصحي وفقدان الكثير من الأرواح والأحبة، والوقوف عند معضلات أخلاقية كثيرة خاضتها بلدان عديدة كإيطاليا، وإسبانيا، وبريطانيا، بترك المعلولين وكبار السن من أجل معالجة الأصحاء والشباب.
جميع هذه الأمور لا يرغب أحد في الوصول إليها، لذلك أقرت الدولة الحظر الكامل، الذي جاء بعد تجريبها للحظر الجزئي، إلا أنه كشف وبجلاء عن ضعف شديد في الوعي العام بخطورة ما نمر به وسنمر وتبعاته على كافة مجالات الحياة، راهنت الدولة بدايةً على وعي المجتمع، لكنّه وللأسف خسرنا خسارة فادحة بهذا الرهان، رغم التزام النصف الآخر بكافة الإجراءات والاحترازات إلا أن الضيف الثقيل جداً على العالم «كوفيد 19» يطبق وبكل حرفية مقولة «الخير يخص والشر يعم».
@naevius_