LamaAlghalayini@
نلجأ أحيانا لترديد عبارة «لا بد أن هناك أسلوبا بديلا»، عندما لا تسير الأمور كما نريد، وحين نكتشف في مرحلة ما من حياتنا أننا ندور في حلقات مفرغة من المشاعر ذات المعنى، وهذا ما قصده عالم الاجتماع إبراهام ماسلو حين أكد أنه عاجلا أو آجلا سوف يصل الأشخاص البالغون لمرحلة يسألون فيها أنفسهم سؤالا مثل: «ألا يوجد شيء جديد في الحياة خلاف هذا؟، أهذا كل ما في الأمر؟»، وهنا تأتي أهمية المبدأ الذي سماه ماسلو «تحقيق الذات»، فما المقصود بذلك المصطلح؟، إن تحقيق الذات كلمة لها تفسيرات مرنة متعددة مثلها مثل كلمة النجاح، ويختلف معناها من شخص لآخر، فهي تعتبر كنوع من أنواع الرضا المنبثق من داخلنا، أو إحساس ينبع من تغيير أو إنجاز قمنا به، أو أحدثنا به تأثيرا إيجابيا في حياة الآخرين، مما يجعلنا نشعر بأن هناك هدفا مهما ورسالة واضحة لحياتنا، فالبعض يختزل ذلك المسعى في جعله محصورا في جني المزيد من المال والمنصب، ويعتبر الاهتمام بالثراء الروحي أمرا مؤجلا لحين التقدم في العمر، رغم أن مفهوم الحياة أعمق بكثير من السعي المادي، أما البعض الآخر فيخفق في استثمار مواهبهم وإمكانياتهم التي حباهم الله بها لأنهم محاصرون ببعض الأفكار والمعتقدات التي تحد من استثمار قدراتهم الشخصية، وتجعلهم يفقدون القدرة على الإنصات لندائهم الداخلي واكتشاف بصمتهم الشخصية، ورغم أن الناس في كل مكان يسعون لمعرفة الكيفية التي يستطيعون بها تحسين أنماط حياتهم، إلا أنهم غالبا ما يحصرون معنى نجاحهم في زيادة المال أو المناصب، ولا يوجد خطأ في جني الأموال أو حيازة المناصب، ولكن المقصود أن يوازيه سعي مماثل لتطوير الجوهر الداخلي، فقدراتنا أوسع بكثير وأعمق من الترجمات المادية فقط، لكننا نتعامل دوما وكأن هناك سقفا غير مرئي يحدنا من الوصول لما نريد، ويجعلنا في حالة خوف وتبجيل لتلك الحدود الخفية التي تقيد خطوتنا، ويمكننا تقريب الفكرة أكثر بتشبيه جسم الإنسان بالحكومة التي تمتلك ميزانيتين، الأولى للدفاع وأخرى للتنمية، فحين يكون الجسم متأهبا لحالة الدفاع لا يمكنه أن ينمو، لأن طاقاته بأكملها مستنفرة وموجهة للهروب أو الاختباء أو الحذر من الهجوم، أما عندما يكون في حالة سلام فهو يعمل بكامل أجهزته على تفعيل مخططات النمو والتطوير، ولهذا فمعظم الناس حين يعيشون في حالة من القلق والتوتر والخوف، فهم يعطلون مخططات نموهم الداخلي لأنهم يتضررون بإبقاء أجسادهم في حالة استثارة دائمة، تعيقهم من الحصول على الصحة الذهنية المثلى والعافية الداخلية.
إن رغبة الفرد في استطلاع العالم بنفسه وتحقيق كينونته الكامنة، وفي أن يصير حقيقته أكثر فأكثر، هو احتياج متجذر في الجميع، لكن الوصول إليه هو أمر نادر الحدوث حسب توقعات ماسلو، فهو يعتبر أن معظمنا يقضي معظم وقته على مستوى أدنى من مستوى تحقيق الذات، والذي يقبع في أعلى التسلسل الهرمي للاحتياجات، ويوصف بأنه مستوى الصيرورة، وهي حالة من النمو والاستقرار النفسي، ولا يمكن الوصول لها مع وجود أي مستويات مستمرة من القلق والتوتر وصراعات الاعتقادات السلبية.
LamaAlghalayini@
LamaAlghalayini@