مثلما كان تولي المملكة رئاسة قمة مجموعة العشرين حدثا غير عادي في حينه فإن ترؤس المملكة لقمة هذه المجموعة الافتراضية يوم الخميس الماضي هو أيضا حدث غير عادي، خاصة وأنه يجيء ليؤكد التزام المملكة الذي أعلنه خادم الحرمين الشريفين بأن تعمل المملكة أثناء ترؤسها للمجموعة بكل قوة على تحقيق أكثر ما يمكن من التطلعات لصالح الإنسان في دول العالم كله وعلى كافة الصعد، وفي الوقت الذي تؤكد ذلك فيه دعوة المملكة لانعقاد هذه القمة لمواجهة الظروف الحالية التي يقف العالم كله بقواه الرئيسة ممثلة بالصين وروسيا والولايات المتحدة وأوروبا والمملكة العربية السعودية بما تملكه من مقومات وتأثير في النظام الدولي سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية بل والقيمية أيضا، ومما يؤكد تأثير المملكة في القمة وفي الموقف الموحد للدول المشاركة فيه أن البيان الختامي الصادر لهذه القمة يبين من خلال نظرة عميقة إليه المبادئ الأساسية التي طالما صبغت المواقف المبدئية والإنسانية والإستراتيجية للمملكة العربية السعودية بحيث أظهر البيان وبكل وضوح أن العالم كله يقف ربما لأول مرة في مجابهة عدو واحد هو هذا الوباء الذي لا يميز بين ضحاياه لا من حيث اللون ولا العرق ولا الجنس ولا الوطن، بل هو يهددهم جميعا ويملك من القوة رغم ضعفه ما تعجز عن مواجهته أكبر دول العالم وأقوى الجيوش والحكومات، فقد أوضح البيان الختامي للقمة وقد ورد ذلك في مقدمة البيان بالحرف الواحد «إن جائحة كورونا (كوفيد 19) غير المسبوقة تعد رسالة تذكير قوية بمدى الترابط بين دولنا وبمواطن الضعف لدينا فهذا الفيروس لا يعترف بأية حدود.. تتطلب عملية التعامل معه استجابة دولية قوية منسقة واسعة المدى مبنية على الدلائل العلمية ومبدأ التضامن الدولي»، كما أكد البيان على التزام المجموعة بترجمة هذا الفهم المشترك لخطر العدو الداهم على الجميع من خلال بذل كل الجهود فرديا وجماعيا من أجل حماية الأرواح، والحفاظ على وظائف الأفراد ومداخيلهم، واستعادة الثقة، وحفظ الاستقرار المالي، وإنعاش النمو، ودعم وتيرة التعافي القوي، وتقليل الاضطرابات التي تواجه التجارة وسلاسل الإمداد العالمية، وتقديم المساعدات لجميع الدول التي هي بحاجة للمساندة، وتنسيق الإجراءات المتعلقة بالصحة العامة والتدابير المالية. ومن اللافت للنظر أن معظم ما جاء في البيان يمكن أن نجده بكل وضوح في كلمة خادم الحرمين الشريفين التي ألقاها في بداية الاجتماع باعتبار المملكة رئيسة المجموعة هذا العام، ولعل الرجوع إلى أهم الأفكار الرئيسية لكلمة الملك سلمان يؤكد ما ذهبنا إليه حتى أن بعض المراقبين الذين علقوا على هذه الكلمة قالوا إنها (416) كلمة بلورت خارطة طريق عالمية لتجاوز أزمة كورونا، فقد قال - حفظه الله- في مستهل كلمته: إن المملكة حريصة على مستقبل العالم وعلى صحة سكان كوكب الأرض بالقدر نفسه الذي تبديه كل حكومة تجاه صحة مواطنيها منذ ظهور فيروس كورونا الجديد، وقد حملت هذه الكلمة توصيات محددة ومطالب عاجلة ينبغي أن تبادر بها مجموعة العشرين باعتبارها تضم أكبر وأقوى اقتصادات العالم من أجل القضاء على هذا الفيروس في أسرع وقت ممكن والمحافظة على مسيرة الاقتصاد العالمي من جانب آخر. كما أن الكلمة لم تتحدث عن جهود المملكة فحسب بل شملت جهود دول العالم المختلفة وضرورة دعم هذه الجهود في الدول الغنية للوصول إلى التطلعات المأمولة في وقف انتشار المرض ومواجهة آثاره السلبية على الاقتصاد العالمي، إضافة إلى تشديد كلمة خادم الحرمين الشريفين على تكثيف الجهود لإيجاد لقاح خاص بهذا الفيروس باعتبار ذلك خطوة هامة وعاجلة بما يعكس التزام المملكة الأخلاقي والإنساني تجاه شعوب العالم، خاصة وأن هذا الموقف مطلوب أن تتخذه دول هذه المجموعة التي تملك التحكم في بوصلة الاقتصاد العالمي من جهة، وفي جهود الدول والحكومات في التصدي لهذا الوباء الذي يعتبر بحق أكبر أزمة دولية يواجهها العالم في العصر الحديث. ولعل صدى موقف المملكة في القمة وتبني البيان الختامي لها المبادئ الرئيسة التي حددها خادم الحرمين الشريفين رئيس هذه القمة يؤكد ما هو معروف أن المملكة ستبقى كما وصفها المراقبون (اللاعب الأول) والأهم في المنطقة بأكملها كما يؤكد أيضا مكانتها الدولية ودورها في المنظومة العالمية، والاحترام والتقدير الذي تحظى به المملكة وقيادتها بين دول العالم الذي يقدر التزامها بمسؤولياتها تجاه الإنسانية وحرصها على الصالح العام الدولي للأمم والشعوب.. ولا شك أن نجاح بلادنا في قيادة القمة إلى مثل هذه المخرجات يرقى بهذه القمة الاستثنائية لتكون ليس قمة الدول العشرين الأقوى اقتصاديا في العالم، بل قمة القرن الواحد والعشرين الأكثر توحيدا لجهود المجتمع الدولي أمام عدو مشترك هو (كوفيد 19).
fahad_otaish@