36 مليار دولار أمريكي هي قيمة حزمة المساعدات الكندية لإغاثة الاقتصاد خلال 6 أشهر بسبب تأثيرات فيروس «كورونا»
«سنعمل دائما بشكل تعاوني ونحترم الدور الأساسي للبرلمان».. بابلو رودريغيز - زعيم الحكومة في مجلس العموم الكنديكتبت صحيفة جلوب أند ميل الكندية، يوم الإثنين الماضي، في مقالة لها أن «قانون الطوارئ سيمنح الحكومة سلطات شاملة للتحكم في الضرائب والإنفاق دون موافقة البرلمان، وذلك حتى نهاية عام 2021»، وعند قراءتي لهذه المقالة في البداية تملّكني شعور كبير بالتنازل والتهاون في حقوق الشعوب، حتى أنني اعتقدت أن الكاتب ربما يتحدث عن أونغ سان سو تشي زعيمة مينمار الديكتاتورية السابقة، أو عن فلاديمير بوتين صاحب السلطات غير المحدودة، وقلت إن الرئيس الروسي ربما قرّر أن يجعل سلطاته أخيرًا بصفة رسمية، ولدهشتي الكبيرة اكتشفت في النهاية أن المقال عن كندا ورئيس وزرائها التقدمي جاستين ترودو.. لكن إذا كانت هذه هي الحرية السياسية والتعددية الثقافية، فقد تجاوز ترودو كل الحدود.
وفي 44 صفحة، كان مشروع القانون موجزًا نسبيًا، إلا أنه كان يعكس ببساطة مفهوم تعريف السلطة التعسفية، حيث سيسمح لمجلس وزراء ترودو برفع الضرائب وفرض ضرائب جديدة، والإنفاق والاقتراض بالأمر، وكل ذلك بدون تصويت من البرلمان. وهذا يعطي شعورًا بأن وباء كورونا مروّع للغاية لدرجة أن الليبراليين اعتقدوا أنه لن يكون هناك وقت لممارسة الديمقراطية في كندا والتصويت على مسائل السياسة المالية الهامة، على الأقل حتى عام 2022.
وقبل محاولات الاستيلاء السريع على السلطة في كندا فاز الليبراليون في عهد ترودو بنسبة 33٪ فقط من إجمالي الأصوات الشعبية في انتخابات أكتوبر الماضي، وهي أقل نسبة للحزب الحاكم في التاريخ الكندي.
ويحتاج رئيس الوزراء، الذي يقود حكومة أقلية، إلى بعض الدعم من معارضيه لسن التشريع الجديد. ولك أن تتخيّل كيف يمكن لهذه المحادثة أن تستمر؟، حيث قال زعيم المعارضة أندرو شير Andrew Scheer، في بيان مكتوب ليلة الإثنين الماضي: «المحافظون مستعدون للعمل لدعم الكنديين في وقت الأزمة هذه».
وعلى ما يبدو فقد تفاوض شير بالفعل مع ترودو على حزمة إغاثة اقتصادية من تأثير فيروس كورونا، وقال: «لكننا لن نعطي الحكومة سلطة غير محدودة لزيادة الضرائب بدون تصويت برلماني، ولن نوقّع على شيك على بياض لعمل ذلك».
وفي تغريدة نُشرت الساعة 11 مساء في ليلة الاجتماع الكبير، كشف زعيم الحكومة في مجلس العموم الكندي بابلو رودريغيز Pablo Rodriguez عن خبر التوافق الكبير بقوله: «لقد تشاورنا مع المعارضة وسنُجري تغييرات على مشروع القانون. وسنعمل دائمًا بشكل تعاوني ونحترم الدور الأساسي للبرلمان». ولكن بعد 11 ساعة من ذلك لم يبدُ أن هناك أي تغيير.
وعاد الليبراليون إلى البرلمان يوم الثلاثاء بعد أن تخلّوا عن تحكمهم في السلطة الضريبية لكنهم ظلوا يسعون وراء الحصول على سلطة غير مقيدة لتقديم القروض والضمانات والحصول على المدفوعات لأغراض تحفيز النشاط الاقتصادي، أو توظيفها في حالات الاضطراب الاقتصادي والمالي الكبير والمنظم.. على حد قولهم.
وهناك بند آخر في الوثيقة من شأنه أن يمكن الوزراء من طلب كل الأموال اللازمة للقيام بأي شيء خلال الأزمات الصحية بما في ذلك سداد فواتير والسيطرة على الأقاليم لأغراض الحفاظ على الصحة العامة، والمقصود بهذه المادة هو بسط السيطرة اللازمة لاحتواء فيروس كورونا.
واستمرت المفاوضات طوال النهار وحتى ليلة الأربعاء الماضي. وأخيرًا، في الساعة 5:51 صباح الأربعاء، وافق الطرفان على حزمة مساعدات بقيمة 52 مليار دولار كندي (حوالي 36 مليار دولار أمريكي)، تحصل فيها الحكومة على قوة إنفاق طارئة مدتها ستة أشهر سيتم فحصها، ويمكن سحبها في حالة إساءة استخدامها.
وهذه نتيجة لائقة جاءت عبر التفاوض على الحلول الوسط.. لكن هذا التوافق قد يضيع في أي لحظة في ظل سخرية الحزب الليبرالي الذي يقترح إلغاء الإنجاز البارز للقوى الدستورية، والتحرر من السلطة السياسية التعسفية.
وكانت خطة ترودو الأولية هي دمج السلطة التنفيذية في إنشاء القانون وتمويله وإنفاذه، أو ما يُعرف في هذه الحالة باسم «الجمع بين سلطات القلم والمال والسيف»، ولكنها كانت ستكون وصفة سيئة للغاية لإدارة البلاد في تلك المرحلة، كما كانت ستلقي بمئات السنين من النظرية والممارسة للخبراء السياسيين الناطقين بالإنجليزية، ممن أثبتوا جميعًا فشل تلك الطريقة في الحكم.
واستجابة لمطابقة ترودو بسلطات غير محدودة على الضرائب، قال الناقد المالي المحافظ بيير بويليفر: «لا يجب أن تتحكم الحكومة الكندية في الضرائب بدون تمثيل من البرلمان».
في المقابل، رد ترودو على الانتقادات يوم الثلاثاء بتوضيح أن وباء فيروس كورونا هو «وضع استثنائي يتطلب مرونة وسرعة قصوى». وربما يكون الأمر كذلك فعلًا، ولكن هل يتطلب ذلك السماح له بتجاوز الديمقراطية البرلمانية؟، حيث ظهر الأمر وكأن الكنديين باتوا فجأة يعيشون في حالة الاستثناء المرعبة التي افترضها الفيلسوف الألماني الليبرالي كارل شميت (1888-1985)، والتي يعلق الملك فيها القانون، ويستخدم كل الوسائل اللازمة لاستعادة النظام.
ولم تكن هناك حاجة أصلًا لدخول الكنديين في هذا الطريق، حيث يتعامل ترودو مع حزب معارض على استعداد للتعاون معه منذ البداية لتدعيم تدابير الإغاثة الاقتصادية. حتى أن المحافظين وافقوا على التصويت في وقت قصير، وبحضور عدد قليل منهم فقط، بعد أن تمّ اختيار 32 عضوًا فقط بشكل متناسب مع تمثيل الأحزاب لحضور المناقشة، وذلك بسبب سياسات الإبعاد الاجتماعي التي يتطلبها الفيروس.
أيضًا لم يمنع حزب المعارضة الكندي رئيس الوزراء من التصرف بسرعة في أي موقف، ولكن ترودو هو مَن أراد ببساطة أن يتجاهل القيود البرلمانية المعقولة على سلطته لمدة 21 شهرًا كاملة وبدون أي مبررات قوية لعمل ذلك.
إن طلب ترودو المتهور، الذي تم تقديمه في خضم الأزمة، يؤكد الحاجة المستمرة لوجود معارضة كندية مخلصة، وفصل السلطات، والالتزام بالتقاليد الليبرالية التي ادّعى الليبراليون ذات مرة أنهم أكثر مَن يدافع عنها.