عندما صدر القرار التاريخي بالسماح للمرأة بالقيادة، كتبت مقالا بعنوان " الملك سلمان ينتصر لقيادة المرأة" لخصت فيه ثلاث امور رئيسية: ان قرار السماح بالقيادة كان جزء من عملية التمكين التي مرت بها المرأة السعودية في المملكة . ان تأخر القرار لم يكن لأسباب دينية وانما مرتبط بالتطور القانوني والاجتماعي للمجتمع. والامر الثالث الذي تحدثت به بشكل مختصر هو نضوج النخب بمختلف شرائحها وكذلك تطور وسائل الاتصال والتكنولوجيا ادى ان تقبل القرار بشكل سلس. كان تاريخ 10 شوال هو الموعد لتجسيد القرار التاريخي على أرض الواقع، بدأت المرأة السعودية تقود بكل حرية وبدعم من شرائح المجتمع كله، رأينا هذه الاحتفالية المجتمعية بتنفيذ القرار، كل ما سمعناه من مقاومة اجتماعية لهذا القرار كان مجرد اشاعات ليس لها مكان الا في عقول متحجّرة تجترّ أفكارًا ومصطلحاتٍ بائدة. وانا اتابع هذا الموضوع شدني الجانب والمردود الاقتصادي لهذا القرار والذي يدخل في اطار الرؤية الطموحة للمملكة "رؤية "2030. ويمكنني تلخيص ما توصلت اليه في ثلاث نقاط رئيسية:
الامر الاول: تحولات هيكلية في سوق العمل، احد اهم اهداف "رؤية 2030 " هي رفع مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30% بحلول عام 2030. وبلا شك فان قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة سوف يغير من طبيعة سوق العمل من خلال منح مئات الآلاف من النساء سهولة في الحركة والانتقال وبالتالي الحصول على الفرص المناسبة لهم واستثمار الطاقة الحقيقية في العمل. فالنساء القادرات على العمل سوف يزيد عددهم مما سوف يرفع من حجم القوى العاملة في السعودية، وبالتالي سوف يؤدي الى ارتفاع عام في الدخول المالية. إن رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 40 % كما تهدف الرؤية سيزيد إجمالي الناتج المحلي بحوالي 17 مليار دولار سنوياً. وهو ما يعني رفع مشاركة المرأة في سوق العمل سوف يساهمن بإضافة المليارات إلى اقتصاد البلاد، بعيداً عن الاعتماد على النفط.
الامر الثاني: ان السائق الاجنبي اصبح اختيار وليس احتياج وضرورة، بحسب إحصائية صادرة عن هيئة الإحصاءات العامة هناك اكثر من 1.3 مليون سائق أجنبي يعملون لدى الاسر السعودية بشكل ضروري وليس هناك أي بدائل اخرى. واذا قلنا ان متوسط أجر السائق الأجنبي في السعودية تراوح بين 1000 و1800 ريال شهريا، ناهيك عن قيمة استخراج إقامة السائق لأول مرة التي لا تقل عن 15 ألف ريال حداً أدنى، بالإضافة الى مصاريف السكن والعلاج والغذاء فأن هذا استنزاف حقيقي للاقتصاد. فبحسب تقديرات صحيفة (مال) السعودية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية "فإن إجمالي دخل السائقين في الوقت الحالي يبلغ نحو 8.8 مليار دولار سنويا". وبالتالي يمكن القول ان أن قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة سوف يسهم في تخفيف العبء المالي عن الأسرة السعودية، ويوفر استنزاف الكثير من المليارات على الاقتصاد السعودي من خلال تقليل التحويلات الخارجية و تقليل الاعتماد على السائقين.
الامر الثالث عوائد اقتصادية تضاهي اكتتاب ارامكو، فبحسب وكالة بلومبرغ الأمريكية فأن قرار قيادة المرأة سوف يضيف ما يصل إلى 90 مليار دولار إلى الناتج الاقتصادي بحلول عام 2030 وذلك من خلال إضافة نقطة مئوية واحدة إلى المعدل كل عام والذي يمكن أن تضيف 70 ألف امرأة سنوياً إلى سوق العمل، والنتيجة زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي المحتمل بنسبة تصل إلى 0.9 نقطة مئوية سنوياً. وبالتالي فأن هذا المبلغ ( 90 مليار) يماثل ما تطمح اليه الحكومة من تحصيله من خلال اكتتاب "أرامكو". و90 مليار دولار مبلغ كبير ويعادل موازنات دول فهي تعادل ثمانية أضعاف موازنة دولة بحجم الأردن أو تونس.
واخيرا هذا القرار التاريخي هو جزء من منظومة الإصلاح والتحول التي تنتهجها السعودية، وسوف يؤدي بلا شك الى انتعاش اقتصادي كبير من خلال المليارات التي يتوقع ان تصب في نهاية المطاف في مصلحة الاقتصاد المحلي.