DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

اللصّ

اللصّ

اللصّ
عندي إحساس بأن هذا الجهاز الذي أحمله، واستودعه كافة أسراري إنما هو أقذر جاسوس يتربصني، ويترصد كل حركاتي وسكناتي. لكنه ليس ذلك الجاسوس الذي يسترق السمع والبصر من خلال الثقوب وخلف الجدران، وإنما أنا من اخترته، وحملته معي أينما وجهتُ، في صحوي وفي منامي، وربما حتى ليرافقني إلى دورة المياه. عندي إحساس أن هذا الجهاز الذي استودعه رسائلي السرية لأصدقائي، يأخذها، ويقرأها، ثم يذهب إلى مكان ما لا أعرفه ويُخفي نسخة منها قبل أن يوصلها إلى هدفها، ويأتي بالرد الذي سيفعل معه نفس الشيء. عندي إحساس أن هذا الجهاز الذي بات يفرض ثقافته علي، جاء ليصادرني ثقافتي وعاداتي، ويجبرني على الاذعان لطقوسه وشريعته، فأنتظر جوار مقابس الكهرباء، ويلزمني تعليق سماعات الأذن على مدار الساعة؛ كي لا تفوتني رنة رسالة أو دقة جرس. عندي إحساس أن هذا الذي يسليني برسائل اليوتيوب والواتس، إنما هو أيضا يتسلى بي دون أن أعي أنني أصبحتُ في عداد ملكياته. عندي إحساس أن هذا الجهاز الذي يهدم عند الناس كل يوم سورا من أسرار خصوصياتهم، ويبذل الخاص منهم للعام بسخاء ماكر، ويشجعهم للتنافس بخبث على تحطيم جدران منازلهم، مطابخهم، غرف نومهم، حفلاتهم، على سبيل المباهاة لرفع كفاءة عقدة التميز وشهوة الشهرة، إنما هو يسرقهم بيده الأخرى، يسرقهم من ذواتهم، من ثقافتهم، من أخلاقهم، وقد يسرق ما هو أكبر، طالما أنه بات يبيع كل ما يعرفه عنا من مكالماتنا، ورسائلنا، وفيديوهاتنا وسناباتنا، وانستجراماتنا، وهاشتاقاتنا، وتغريداتنا إلى شركات المواد الاستهلاكية، ليبتزونا، ليس هذا فحسب، فمن باع توقيعك على فتح خصوصياتك له، سيبيعك كلك بثمن بخس مقابل ما هو أخطر. المحزن أن هذا الجهاز الذي يضع أمامك مئات الكتب على شاشته، ويقول لك: اقرأ، هو من يذبح وقتك بالواتس آب وأخوته، ويجعل انتظار اكتمال دوران دائرة التحميل أعز أحيانا حتى من الالتفات إلى بكاء طفلك. بل أعز من الانتباه لانحراف سيارتك إلى داخل الطريق السريع لانشغالك بالسوشيال ميديا، بحيث تعجز عن مقاومة إغراء رسالة داهمتك حتى ولو كان الثمن المحتمل فقدان حياتك.. إنه اللص.