كلمة اليوم

دينامية المجلسين.. هل بدأتْ تؤتي أُكلها؟

من الأمور المعروفة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ أنه رجل حسم، وإذا ما أضيفتْ هذه الصفة إلى عنايته الشديدة بالوقت، ودقة مواعيده، إلى جانب ما يتمتع به من ذاكرة موسوعية، فإننا سنكون في النهاية أمام رجل دولة من طراز فريد، لا بد وأن تنعكس هذه الميز إيجابا على أسلوبه في إدارة شؤون الدولة، وهذا ما يُترجم تلك القرارات التي استهل بها ـ يحفظه الله ـ عهده الميمون، وتحديدا عندما اختزل المجالس الثمانية بمجلسين اثنين فقط، أحدهما للشؤون السياسية والأمنية، والآخر للشؤون الاقتصادية والتنموية.وعلى الرغم من قصر المدة منذ تطبيق هذه الآلية الجديدة، إلا أن المواطن بدأ يلمس بوضوح نتائجها على الأرض، ابتداء من تسريع معالجات قضايا الاسكان، إلى إقرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء، إلى توحيد الأجهزة ذات الصبغة المتشابهة مثل ضم كل ما يتصل بالاقتصاد تحت مظلة وزارة التخطيط والاقتصاد، إلى العمل على تحويل صندوق التنمية العقاري إلى مؤسسة مصرفية، وغيرها من القرارات والاجراءات التنظيمية التي تكفل سلامة القرار، وسرعة التنفيذ في خدمة المواطن.وإذا ما كان السيد بان كي مون أمين عام مجلس الأمن قد وصف ما أنجزه الملك سلمان بقوله: إنه أنجز في عشرة أيام ما ينجزه غيره في مائة يوم، فإن الرجل لم يُجانب الصواب، إذ بات من الواضح أن هذين المجلسين أصبح كل واحد منهما عبارة عن مجلس وزراء مصغر يجمع كل الوزارات التي تتداخل أو تتماس تخصصاتها أسبوعيا، وعلى طاولة واحدة، بحيث تنجز في جلسة واحدة ما قد كان يحتاج إنجازه أحيانا إلى كم هائل من المكاتبات واللجان، والكثير من الوقت الذي كان يسيل في التفاهمات على حساب برامج التنمية وسرعة ايقاعها، الأمر الذي اختصرت به هذه الصيغة دينامية الأداء، بحيث يمكن عرض توصيات المجلس على أول جلسة انعقاد لمجلس الوزراء لاتخاذ القرار، وهو ما أفضى إلى هذه النتائج التي لم تكن مألوفة في أداء القطاع الحكومي التقليدي.بصمة الملك سلمان فيما يتصل بسرعة الأداء وآلياته باتت أمرا واقعا من خلال هذين المجلسين، وانعكست بالتالي على قضية استثمار الوقت، وهي واحدة من أهم القضايا التي كانت فيما مضى تستنزف الجهد، والمال، وتفسح المجال للآخرين لتحقيق السبق، وتعوق سير إنجاز بعض المشاريع، وقد تتسبب في نقل اعتمادات بعضها من موازنة إلى أخرى بفعل بطء الأداء، والحاجة إلى المزيد من الوقت لإنجاز إجراءاتها البيروقراطية، وهنا تجلت شخصية الملك الذي يُعير الوقت كل عنايته على اعتبار أنه هو المعيار الحقيقي لتقدم الشعوب، واحتلالها دائما موقع الريادة، والصدارة، وهذا ما أراده ـ أيده الله ـ عندما اختار العدد الأكبر من الوزراء في حكومته من القطاع الخاص، بحكم تحرر هذا القطاع من قيود المركزية، وأنماط الإدارة التقليدية، واستجابتهم لفلسفته في الإدارة التي تقوم على جعل الوقت هو مثقال الوزن في الكفة الأخرى لأي مشروع أو أي فكرة، تبعا لإيمانه بأن أي عمل يُسقط الوقت من حساباته، فإنه بالنتيجة سيبقى رهينة للتردد، ومن ثم استلاب أهم مقومات العمل، وهو ولادته في وقته وحينه كولادة طبيعية، وكأنه يستلهم بهذا قول الشاعر:إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تتردداختاما بوسعنا أن نقول، وبعد كل هذه المؤشرات الإيجابية عن دمج المجالس، وما أفضت إليه، والتي لا ندّعي أننا استعرضناها بما فيه الكفاية، أننا أصبحنا بالفعل أمام مرحلة جديدة، هي مرحلة السباق مع الزمن، وهو سباق منجزات بالتأكيد، بقيادة رجل يُدرك ويؤمن (إن الحياة دقائق وثوانٍ)، وأن معايير حساب تقدم الشعوب، تُحسب بمدى احترامها للوقت، وتعاملها معه كقيمة حضارية.