أ. د. عبدالله العبدالقادر

الفجر الجديد وإرهاصات الواقع الملزمة

يعتلي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عرش المملكة العربية السعودية، خلفا لوالده المؤسس واخوانه الخمسة الذين أدوا الأمانة في إرساء حكم دولة نظامية عصرية، كسبت وتكسب احترام العالم أجمع، وتمثل وزنا خاصا في التوازن الإقليمي والعالمي. وفترة اعتلاء الملك سلمان -يحفظه الله- حكم البلاد تحمل خصوصية أمنية وتاريخية، سيتحدث عنها التاريخ، وهي ذات فوارق هامة عن السابق تتأرجح فيها كفة الاستقرار في الدول المجاورة بين "يمن" انقلب إلى كتلة بارودية إقليمية قابلة للانفجار، إلى "شام" في مهلكة دامت طويلا، مضياً إلى دار الكنانة نرجو لها صلاحا وأمنا، وغرب عربي نشم دخان ناره، ويزيد الوضع تعقيدا وجود أطراف محرضة تحاول أن تتدخل في شؤون المملكة وفق أيديولوجيات التوسع والاستحواذ لأحلام "فارس"، التي تريد أن تزرع بالقوة النبرة الطائفية في المملكة، كما فعلت في لبنان وسوريا واليمن والبحرين وبقية دول الخليج، ناهيك عن وجود أطراف داخلية تخدم ذلك التوجه، مثل: فلول القاعدة، والتطرف، وغيرهما ممن قل عقله وكثر طمعه، ممن أطبقت عقولهم فلا يرون إلا شياطين أفكارهم، ناهيك عما تمثله دولة إسرائيل من تهديد تاريخي للمنطقة برمتها، وهي على استعداد للتحالف مع إيران أو غيرها ممن يعمل على تفتيت الدول العربية إلى دويلات طائفية، مثل ذلك الذي يخطط له في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بل وفي جميع دول الشرق الأوسط، وما التقسيم الذي حدث في السودان عنا ببعيد. وكلنا يذكر قبل عام ونيف ما صرح به المتحدث الإعلامي لوزارة الداخلية، من الإفصاح عن خلية التجسس الفارسية في المملكة التي ظفر بها رجال الاستخبارات السعوديون البواسل، الذين سجلوا لهم يوم الأمس نصرا جديدا بتحرير القنصل السعودي في اليمن المختطف منذ ثلاثة أعوام عبدالله الخالدي، وقد تبين أن الخلية آنفة الذكر تتضمن سعوديا كان كثير التردد إلى إيران. وكان يتوجه تحديداً إلى جامعة قم الإيرانية، حيث كان يحضّر مشروع الدكتوراة الخاص به عن الوحدة الإسلامية المزعومة. والقيادة السعودية تعلم أن هذا هو النهج الإيراني، ولكنها كانت دائما تحاول إعطاء فرصة لطهران؛ كي تعدل من سياستها وأسلوبها في المنطقة من باب استحثاث الحياء إن كان الحياء في الأصل موجودا. والقيادة السعودية الحاذقة تتابع النهج الإيراني في منطقة الخليج العربي بدقة وحذر يعلوه ذكاء يستقرئ بسهولة النهج المفضوح للفرس في مياه خليجنا العربي الدافئة والآمنة، التي أُريد بها سوءا بدأ منذ فترة في الكويت عندما تم كشف خلية تجسس، بُعَيد محاولة اغتيال أمير الكويت -المغفور له إن شاء الله- الشيخ جابر آل صباح عام 1985، وأيضا خلية البحرين التي سعت لقلب الحكم، وبالأمس القريب راقبنا -بانزعاج شديد- إعلان الرئيس اليمني صنعاء عاصمة محتلة من قبل أذناب الفرس، عبدالملك الحوثي وشرذمته التي باعت الدين والوطن والعهد بل والأخلاق وشرف العروبة. تلك هي الفترة التي بدأ فيها سلمان بن عبدالعزيز الملك المظفر، سليل الملوك وحماة الدين الحنيف، حكمه، وهي فترة تتميز كثيرا عن الماضي في تعقيداتها وارتفاع الهواجس الأمنية فيها، فبلادنا الحبيبة مستهدفة على جميع الأصعدة، وفشل الخلايا الفارسية في بلوغ مرامها في الماضي القريب والبعيد لا يعني نهاية المطاف، وبالأخص بالتغلغل الاستخباراتي داخل كيان مملكتنا الحبيبة، وهو لب الحديث، ولا أريد إفصاحا أبعد من هذا. ومن منطلق كوننا جميعا رجال أمن كل في موقعه، فإن الواقع يفرض علينا فرضا التأكيد على اللحمة الوطنية، التي لطالما أكدنا عليها، ولكن فكر اليوم يتميز بتعقيد أكبر من الأمس، وتبعا لذلك فإن الاحترازات المطلوبة يجب إلزاما أن تكون أبعد وأوسع وأدق من خطوات الأمس الاحترازية للتدقيق في كل شيء وخصوصا في الجوانب التي تمثل أخطارا محتملة، والتي تتطلب في بعض جوانبها تغييرات جذرية تُحتِم السباق مع الزمن؛ لبلوغها في أسرع وقت ممكن، أما الاعتماد على فرضيات هشة وأمان مرجوة فليس له سبيل، بل ليس هو من الحكمة في شيء عند الحديث عن أمن وكيان المملكة العربية السعودية وخصوصا في مناطق النفوذ السعودي الهامة وشرايين الحياة. والوزراء معنيون بالدرجة الأولى لإعطاء البعد الأمني أولوية قصوى في خيارات التعيين في المناطق، وبالأخص المناطق المعلومة، وعلينا أن نستحضر دائما أن فجوات الأخطار المحتملة والتي نراها تتسع يوما بعد يوم والتي قد تنبئ بانهيار مفاجئ -لا قدر الله-، هي في الأصل مدعومة بقوة استخباراتية لعدو يوظف البعد الطائفي لهوى أحلامه التاريخية، التي يجب -ومن باب الإلزام- التصدي لها بالحكمة والسياسة والتدبير قبل فوات الأوان، لتكون أحلام فارس نطحة أو نطحتين، ويزيلها الله ولتذهب أهواؤهم هباءً. أما سياسة الاستهانة بالواقع العابس والتقليل من حقيقة المخاطر الشاهده فهو -بلا شك- تدبير لا نتمناه، ونثق بأن كتيبة الحكم الجديدة بقيادة الملك سلمان وولي عهده وولي ولي عهده -أيدهم الله بنصره-، ترصد الحدث وتعيد قراءة الحسابات في فجر جديد وإرهاصات ملزمة لعدو لا يعرف شرف الخصومة، مما يملي توجهات وطنية احترازية مبتكرة، تليق بكيان تاريخي عظيم في حجم بلادي الحبيبة، المملكة العربية السعودية.* عضو المجلس العلمي الاستشاري لمعهد رياضيات القلب الأمريكي.عضو المجلس العلمي للجمعية العالمية للكوارث الكونية (ميونخ-ألمانيا)