مشاري العفالق

المسؤولية الاجتماعية.. نموذج «العنود»

من حين لآخر أستمع لبرنامج تمكين الإذاعي، والذي تنتجه مؤسسة الأميرة العنود الخيرية شراكةً مع إذاعة UFM لتلقي الضوء على قصص نجاح أبطالها شبّان سعوديون يحكون بأنفسهم دوافعهم ومعاناتهم والآفاق التي وصلوا إليها، وتتيح المؤسسة للجميع فرصة عرض تجاربهم في الحياة ويقع الاختيار على أكثرها إلهاماً، حيث يحصل صاحبها على جائزة مادية ويتم نشر قصته واستضافته إذاعياً.شخصياً، أعتقد أن هذه التجربة الرائعة تختصر محاضرات وأطروحات نظرية حول مفاهيم ملتبسة أو غير واضحة في القطاعين الخيري والخاص حول المفهوم الحديث الذي عُرف في الغرب بـ Social Responsibility (المسؤولية الاجتماعية)، بعد انحسار مفهوم الـ Social Marketing (التسويق الاجتماعي). وبكلمات أخرى، فإن هذه التجربة نموذج لما يكمن تحقيقه من مزاوجة ذكية بين تطبيقات العلاقات العامة ومفهوم المسؤولية الاجتماعية.هذه التجربة التي أشكر المؤسسة عليها تبدو واضحة الأهداف للقائمين على المشروع وللمتلقي، فالفكرة تمت صياغتها ببساطة من حيث التطبيق، وعمق من حيث المفهوم، وتم استخدام تقنيات العلاقات العامة بجودة عالية لإدارة الموقف الاتصالي بجودة عالية عبر الموقع الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي والإذاعة الملائمة للهدف، وتصميم المحتوى ورعايته بمفهوم الشراكة.أما من حيث المسؤولية الاجتماعية، فمن الواضح أن المشروع استند إلى مفهوم عميق يمس مشكلة غياب الهدف أو الدافع لدى الشباب، وتواري نماذج القدوة في المجتمع لأسباب تتعلق بتحفظ الناجحين أنفسهم في الحديث عن نجاحاتهم وعدم المبادرة الشخصية في طرح سيرهم الذاتية لالتباس ذلك بمفاهيم سلبية كالرياء أو الغرور.. إلخ.(بعض الناجحين في بعض المجالات نشروا سيرهم الذاتية محلياً في مجالات معينة، لكنها جاءت في أغلبها ركيكة الطرح، تفتقر للروح، وتبتعد كثيراً عن حال الشباب اليوم، ومعاناتهم، بعضها يعاني من نمطية الصورة المتعلقة بالسير القديمة التي مثلت اتجاهاً أدبياً في مرحلة ما، لذلك ظهرت مشتتة الأهداف ضحلة من حيث المفهوم، مملة من حيث السرد، ولا تمت لمفاهيم العلاقات العامة أو حراك المجتمع بصلة).تجربة (العنود الخيرية) ليست الوحيدة بالتأكيد، لكنها بدت واضحة المعالم في مجتمعنا، وفي الدول المتقدمة تجارب في هذا المجال لا حصر لها صنعت بتوظيف الوسائل والتقنيات الحديثة من المسؤولية الاجتماعية نجاحات قد تفوق نجاحات النشاط الرئيسي لبعض الشركات أو المؤسسات، وتدريجياً تصبح شعاراً يمتزج بحرفية مع ثقافة المؤسسة وسمعتها وعلامتها التجارية وقيم مواردها البشرية.وهذه التجارب تؤكد توفر كل العناصر المحفزة لصناعة واقع جديد لدور القطاعين الخيري والخاص، ويكفي النظر لعوامل مثل العلاقة الحالية بين الإعلام التقليدي الذي يرتكز على الموثوقية والإعلام الجديد الذي يجيد الفاعلية، وأثر الصورة الرأسمالية البغيضة للمنظمات التي تظهر نتيجة لاشتعال المنافسة بين العلامات التجارية في السوق، وضعف الاهتمام في الدوافع الروحية على الرغم من عاطفية المجتمعين السعودي والعربي في تعاملهما مع الأخلاقيات والقيم.نحن أمام حقيقة، ان دوافع الخير كامنة لدى الكثيرين في هذا المجال، لكن النوايا الحسنة لا تكفي إذا لم تُصَغْ في مشاريع حديثة مثمرة عميقة المفهوم، وسهلة الاستيعاب، تستجيب لكون المجتمع في أغلبه من الشباب المتعلم، ولديه رصيد أخلاقي في اللاوعي يحتاج إلى أنشطة اجتماعية لتحفيزه، لتحقيق نهضة حقيقية، بدلاً من الركون إلى قناعة تقليدية بأن أموال المتبرعين يجب أن تظل تصرف في أنشطة تقليدية تروجها المؤسسات الخيرية ولا تضيف شيئا.ولكن صدقاً، فإن أنشطة المسؤولية الاجتماعية الحديثة بكل ما تحمله من فرص كبيرة لتحقيق نجاح ملموس، تستند على إرادة الخير والتفاعل الإيجابي مع المجتمع، إلا أن هذه النوايا الحسنة بكل ما تعنيه الكلمة إذا لم تنفذ باحترافية، فإنها ستحقق فشلاً خطيراً لمساس هذا النجاح بسمعة رجال الأعمال أو الشركات المنفذة له بصورة مباشرة.أخيراً أختم برسالة تقدير للدكتور عبدالله الناهسي، الذي استمعت قبل أيام لتجربته الملهمة والتي تحدث فيها عن قصة نجاحه منذ عمله سائق أجرة وحارس أمن في جامعة الملك سعود، إلى أن أصبح عضو هيئة التدريس في الجامعة، ليقدم نموذجاً ملهماً لمئات الآلاف من الشباب المحبَطين في القطاعين العام والخاص أو في منازلهم.* عضو مجلس إدارة آفاق الإعلامية - كاتب ومستشار إعلامي