خليل الفزيع

الحملات الإعلامية وتداعياتها

ما أن تحل أزمة طارئة بين دولة عربية وأخرى، إلا وينشط أصحاب بعض الأقلام في إشعال نار هذه الأزمة، ليوسعوا دائرة الخلافات، ويزيدوا رقعة النزاعات، بدوافع عاطفية أو مصلحية لا تنظر إلى المستقبل، ولا تأخذ في الحسبان ما قد تحمله الأيام من مفاجآت تطيح بكل ما يكتبون، ليجدوا أنفسهم خارج اللعبة السياسية، مع خشيتهم من الطرف الذي تعرض لأذاهم في تلك الأزمة الطارئة، وما من أزمة بين الأشقاء إلا وتكون لها نهايتها الحتمية، حيث تتغلب مصالح الدول على كل الاعتبارات الإعلامية، عندها يصبح الإعلام هو الجانب الخاسر في تلك الأزمات التي لا يمكن أن تدوم مهما كانت أسبابها ومهما طال أمد استمرارها، والحملات الإعلامية بين الدول العربية ظاهرة يندر وجودها بين الدول الأخرى، وإن وجدت بين بعض الدول فهي تعتمد على (الإعلام النظيف) الذي لا يجنح إلى خصوصيات الأفراد، ونبش دفاترهم القديمة وتقديم ذلك كله بلغة متدنية تترفع عنها النفوس الأبية، وترفضها الأذواق السليمة، لما فيها من تشف واضح وانتقام مباشر من الطرف الثاني، وكل هذه المعاني التي يمارسها بعض الكتاب، لا ترقى إلى مستوى الحوار الموضوعي الذي يحترم عقل القارئ، ويراعي وعيه وقدرته على التمييز بين ما هو حق وما هو باطل. وإذا كان هذا النشاط الإعلامي المشبوه، انفعالا أملته ظروف محدودة، فإن زوال هذه الظروف، يعري هذا النشاط، ويحيله إلى هباء تذروه رياح الظروف الجديدة عندما تعود المياه إلى مجاريها بين الدول، لكن تبعات هذه الحملات الإعلامية لا يمكن أن تنمحي من أرشيف أصحابها لتظل وصمة عار في جبين تاريخهم الصحفي لا يمكنهم التخلص منه، فالمقالة الصحفية وثيقة ضد أو مع كاتبها، حيث لا يمكن تجاهلها أو نسيانها نهائيا. لكن ما لا يقل خطورة عن ذلك هو ما تثيره من تبعات سلبية، فهي تعطي انطباعا عن المستوى المتدني لوعي وأسلوب كاتبها وسوء تقديره للأمور، كما ترسخ في أذهان القراء قيما سلبية تستبعد احتمالات التوافق بين الأشقاء، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى كراهية تنمو وتمتد حتى تصل إلى مواطني الدولتين، وتنال من علاقاتهم المباشرة بما تجلبه من احتقان وارتفاع درجة العداوة والخصام، مع أن الخلافات غالبا ما تكون بين الحكومات وليست بين الشعوب، أما على مستوى العلاقات بين الدول فإنها تطيل من أمد هذه الخلافات، وتخلف جراحات لا تندمل بسهولة في العلاقة بين هذه الدولة وتلك، كما أنها -وهذا هو الأسوأ- تسهم في مزيد من الخلافات التي قد تؤدي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، وهي القنوات الرسمية للتفاهم بين الدول، وفي غيابها تطول احتمالات الصلح والتعاون والعمل على تجاوز الأزمات. كما أن هذه الحملات الإعلامية تنسف جسور الحلول السريعة، وتبعد فرص الالتقاء عند نقاط الاتفاق المحتمل في بعض الأمور، وهي من جانب آخر تساعد العدو الذي يستمد قوته دائما من ضعف الأمة بسبب استمرار الخلافات بين حكوماتها، وربما لعبت أيادي العدو الخفية في زيادة تلك الأزمات، وتغذيتها بالأكاذيب المتقنة الصنع في دهاليز السياسات الأجنبية المعروفة بعدائها الدائم للأمة، وسواء عن قصد أو دون قصد فإن الحملات الإعلامية تقدم لأعداء الأمة خدمة مجانية تضاف إلى رصيد مكاسب أولئك الأعداء في مؤامراتهم ضد الأمة، وهي في النهاية تضع المواطن في الدولتين المتخاصمتين في موقف لا يحسد عليه، عندما تزرع في نفسه الإحباط، وتقتل أمله في أمة عربية موحدة في مواقفها وفي أهدافها وفي انتصارها للحق في العالم.. كل العالم. فهل يعي أولئك الكتاب أنهم شر على أنفسهم كما هم شر على مستقبل أوطانهم وأمتهم؟ * رئيس مجلس إدارة نادي المنطقة الشرقية الأدبي