سكينة المشيخص

هل بين المسؤول والشفافية ما صنع الحداد؟

المسؤولية التنفيذية لا يمكن أن تكتمل أدواتها وتحقق نتائجها دون التعاطي الموضوعي مع مسألتين في غاية الأهمية، وهما البيروقراطية والشفافية، فالأولى تعطّل الحقوق وتؤخر الإنجاز وتثير فوضى في دولاب العمل أشبه بإنتاج الورم السرطاني في جسد إدارة المنشأة، والثانية لا غنى عنها لأي مسؤول ناجح يستهدف تحقيق معدلات إنجاز حقيقية وليست وهمية، كما أنها تمنحه طاقة مضاعفة ومناعة قوية ضد الصدمات والوقوع في فخ التبريرات والدفاع عن النفس.ولعلّي أركز على مبدأ الشفافية؛ لأنه الأنسب لإدارة أي إدارة حكومية، خاصة وأن هناك تساؤلات حول بعض التصرفات والقرارات الإدارية التي لا يمكن أن يشنقها المسؤول على مشانق الاستفهام دون إجابات واضحة، فيما ينتظر ضحايا أو متعطلون تلك الإجابات، وفي بعض الأحيان نقرأ عن مجموعات لديهم مشكلات عمالية مع مؤسساتهم، ويبحثون عن إجابات أكثر من فكرة انقطاعهم عن أعمالهم وأرزاقهم، وذلك لأن المسؤول لم يعمل بالشفافية المطلوبة لتوضيح الصورة الكلية لمجريات الحالة.في تلك المؤسسات هناك من يتعرض لتعسف وظيفي، ينتهي بهم خارج الوظائف التي يأكلون منها عيشا، وبغض النظر عن المجريات السلبية التي انتهت بهم إلى تلك الحال، فإن المسؤول النهائي عن الوضع لا بد وأن يتعامل بالشفافية التي تكشف تداعيات الوضع والجهد الذي بذله من أجلهم، لا بد وأن يكون ذلك من ابتداء المشكلة بحيث يجعلهم يتعايشون مع جهده من أجلهم، ليس على سبيل المنّة، وإنما الدور القيادي والإجرائي والإنساني المطلوب في مثل هذه الحالات، فالمسألة أو القضية لا تتعلق بتسويف متعال، وإنما قيمة عملية وإنسانية جديرة بالالتزام بها.المطلوب من كل مسؤول أن يؤدي التكليف الذي على ذمته على الوجه الأكمل، فذلك يرتبط بمعاش وعمل، والشفافية تبرئ ذمته وتجعله أكثر قربا وتماسا مع احتياجات الناس؛ للوقوف الصلب معهم في متاعبهم وظروفهم الطارئة. فحين يتشرد المئات من وظائفهم ولا يجدون المسؤول المباشر إلى جانبهم، فإن أول ما يتعرضون له غطاء كثيف يحول بينهم والحقيقة، وينتهي بهم في النهاية إلى تبريرات، ربما لن تعيد إليهم مفقوداتهم الوظيفية.ذلك يختلف -ولا شك- مما لو أنهم عايشوا الحالة بصورة راتبة مع المسؤول، وهو يتابع ويجتهد ويبذل قصارى جهده من أجل عمل وقائي، لا يفرق بعد ذلك إن نجح فيه أم لم ينجح، ولكن حين لا يحدث أمر إيجابي ويضطر المسؤول للتبرير فإنه في الواقع افتقد الشفافية التي تمنع الحرج الدفاعي، وتؤكد التقصير في مرحلة ما من مراحل تطور الحالة وانتهائها إلى لا شيء، وكأن بينه وبينها ما صنع الحداد.