عبدالله المديفر

المعلم العميق

قبل أسبوع كنت أجري حوارًا تليفزيونيًا مع أحد أشهر أطباء الباطنية في السعودية، وكان حوارنا يدور عن التعليم وفلسفته، وضيفي ممن تعلموا الطب في ألمانيا، وكان مما لفت انتباهي في حديثه أنه حاول تذكر معلمين مميزين أثروا عليه في دراسته العامة في السعودية، ولكنه لم يجد أسماء بقيت في الذاكرة غير اثنين أو ثلاثة بالكثير، رغم أنه درس في مدارس مختلفة ومنها ثانوية اليمامة الشهيرة في العاصمة السعودية حينها!!.«المعلم العميق» الذي يبقى أثره محفورًا في حياتنا سلعة نادرة، وكثير من المعلمين يدورون في الأداء التقليدي الذي لا يتجاوز أثره حدود القشرة السطحية لأدمغة وأرواح طلابهم.«المعلم العميق» هو معلم روحي، يقدم أجوبة حقيقية للأسئلة العميقة، ويتقن الغوص في أعماق تلميذه، ويبحث عن قدرات طلابه، ويحرك فيهم البوصلة الخفية التي تتوقف مع التلقائية الحياتية.التعليم في مجمله العام هو عملية تنويم مغناطيسي لمجموعة ضخمة من التلاميذ، تدوم سنوات طويلة، و«المعلم العميق» هو الذي ينجح في إيقاظ الطالب وإخراجه من طابور الطلاب الذين تبرمجوا على السير نياماً بجوار بعضهم البعض.«المعلم العميق» هو خبير تغيير وليس ببغاء تلقين، وعنده قدره على تعليم طلابه «فن السؤال»، ولا يضيع وقته في «مهمة الجواب»، فهو لا يكترث كثيراً لعمليات الحشو للمعرفة الهشة؛ لأنه مشغول بتعليم طلابه كيف يفكرون عندما يحصلون على المعلومة.«المعلم العميق» عنده قدرة هائلة في الربط بين «القدرة، والطاقة، والرؤية»، ويحاول أن يصنع تغييراً جذرياً لهذا الطالب بالربط بين مواطن القوة والحاجة والرغبة، وكل هذا يتم بإعادة توجيه العقل نحو ما يجب أن يتوجه له أولاً، فهو يدرك أن الطالب سيصنع من جديد إذا أدرك المنابع داخله في معادلة تضم (المواهب، الاحتياج، والطموح)، وستختلف قائمة أولوياته إذا كانت هذه الثلاث ماثلة أمام عينيه وحاضرة في وجدانه.«المعلم العميق» يتقن استخراج البذور الخفية للطالب، ويعرف كيف يضع هذه البذور في يد تلميذه، وعنده القدرة لتوجيه عيني طالبه نحو الحقل المثالي الذي ينتظر البذور وماءها.شخصية «المعلم العميق» هي شخصية كاريزمية عندها القدرة على الإلهام، وتمكنك من الاقتراب لفهم ذاتك والوعي بها أكثر.ابحثوا عن «المعلم العميق».