د. سعيد أبو عالي

تفعيل مبادرة الملك عبدالله لتطوير التعليم

لا أخفي عن القارئ الكريم أن هذا المقال كتب قبل أسبوعين وكان موجهاً لسمو وزير التربية والتعليم آنذاك.. واليوم بتحوير بسيط أوجه المقال لمعالي وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل.يعقد بعض المتابعين للشأن التربوي في بلادنا مقارنات بين مبادرة الوزارة (المعارف)، باختيار ثلاث مناطق كبرى في عام 1398هـ لتفعيل مبادئ الإدارة المحلية وكسر غلواء المركزية... وبين مبادرة الوزارة (التربية والتعليم) في عام 1335هـ لتفعيل مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم.وآخر ما سمعت أن كوكبةً من المربين (متقاعدين وعلى رأس العمل) اجتمعوا على غير ميعاد في منزل أحدهم بمكة المكرمة في إحدى ليالي رمضان الماضي.. وكان الموضوع أعلاه مادَّةً لمناقشتهم وحواراتهم العفوية.. كان أحد الحضور وهو الزميل الدكتور سعود المصيبيح الذي أخبرني بموضوع النقاش وأجبته على الفور: لا وجه للمقارنة.مشروع (تفعيل مبادرة الملك عبدالله لتطوير التعليم) مشروع غير مسبوق ولا يخضع للمقارنة مع ما أقدمت عليه الوزارة قبل ثلاثة عقود من الزمان. وللتاريخ فقد تبنى المشروع الوزير السابق الأمير خالد الفيصل حفظه الله.يعتمد المشروع على إرادة سامية تم تحديد مراحل التنفيذ على مدى خمس سنوات، ورصد للمشروع ثمانون مليار ريال.والتعليم المتطور – في نظري – يحتاج للخطة والإيمان بالماضي والثقة في الحاضر والطموح إلى المستقبل. التعليم يحتاج إلى أهداف مرسومة تحكم خطة العمل بقدر حاجته إلى عقول تنفيذية تقود إلى تطوير المجتمع بكل فئاته البدوية والريفية والحضرية. بل وتقود العمل الاجتماعي في شتى مجالات الحياة. إن تعليماً لا يتقدم على الممارسة الحياتية الاجتماعية ولا يقودها نحو درجات الكمال هو تعليم منقوص يخضع للمجتمع ولا يقوده ولا يسوقه. مدرسو المستقبللقد تمنيت ولا أزال أن يربط (قبول الطالب أو الطالبة) بكليات التربية في بلادي بثلاثة معايير وهي:(1). مجموع ما حصل عليه الطالب أو الطالبة في اختبار الثانوية العامة وألا يقل هذا المجموع عن تسعين بالمائة - حتى ولو انخفضت أعداد الطلاب المقبولين، حسب هذا المعيار في الكليات وحتى لو لجأنا مؤقتاً إلى التعاقد مع مدرسين من خارج البلاد – (2) وأن تكون مقدرة الطلاب في اللغة العربية عالية بجميع التخصصات العلمية والأدبية. (3) وأن يكون الطالب أو الطالبة محباً لمهنة التعليم وراغباً فيها وطامعاً في قطف ثمارها. وبهذا سوف تستقبل الوزارة بعد خمس سنوات – إن شاء الله – مدرسين ومدرسات متميزين في تخصصاتهم ولديهم قناعة بوجاهة انضمامهم للمهنة الشريفة، مهنة التعليم.هذه الاشتراطات ينبغي أن تكون متطلبات نظامية فيمن يرغب الالتحاق بكليات التربية. وهذا النظام لا يتأتي إلا باجتماع معالي الوزير ومديري الجامعات وعمداء كليات التربية وعمداء القبول والتسجيل بالجامعات.. وهنا لا بد وأن يكون الوزير، هو نفسه، مؤيداً بلائحة معلمين جديدة مطورة ومزيدة الرواتب والحوافز.التدريبالتدريب.. التدريب.. التدريب حاجةٌ ملحة وضرورية للمدرسين. إن التدريب للمدرس أثناء العمل يشبه المحفزات الغذائية التي يتناولها الإنسان للحفاظ على صحته الجسمية والذهنية؛ وخاصةً إذا ارتبط التدريب ببرامج تصقل المعرفة الكامنة للمدرس، وتزوده بالجديد من المعارف والابتكارات في مجال تخصصه، والمهارات التعليمية الحديثة التي توصل لها أخيراً علم التربية في طرق التدريس وطرق التواصل بين المدرس وطلابه. وهنا لا بد من ربط البرنامج أو الدورة التدريبية طالت مدتها أو قصرت باختيار يستفز القدرات العقلية والثقافية والمهارية لدى المهندسين، وتحديد مستوى كل مدرس أو مدرسة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ربط الدورة التدريبية بمقدار العلاوة التي تمنحها لهم الوزارة في نهاية العام.وقد نهجت الوزارة مشكورة إلى تنظيم دورات متعددة خارج المملكة.. وهذه خطوة (ثابتة) على الطريق الطويل.الامتحاناتنظام الامتحانات أو الاختبارات – سمها ما تشاء – يحتاج إلى إعادة صياغة تعنى بمستوى التحصيل العلمي لدى الطلاب والطالبات، لا سيما أن ثروتنا الحقيقية في هذه البلاد هي: (الإنسان). ونحن في مشروع نهضتنا نحتاج إلى الإنسان النابه المثقف سواءً كان في المسجد أو في المصنع أو في المزرعة. وكل أبناء الوطن يحتاجون إلى المدرس الموهوب والطبيب الماهر والمهندس الناجح والأديب المبدع. هذه وغيرها حاجات اجتماعية ضرورية لا يحققها إلا مدرس (إنسان) مخلص متمكن من تخصصه ومدرك لواجبات وظيفته. مدرس (إنسان) يعمل من أجل المجتمع ويؤمن بأن مردود تميزه وإخلاصه يعود عليه هو شخصياً بالغبطة والفائدة.. ولنا في اليابان وامتحانات مدارسهم عبرة واستفادة.اللغة العربيةاللغة العربية.. عنواننا.. أمنا.. لساننا ما زالت تعاني من تدني طرق تدريسها، ووسائل اكتسابها، ومحتويات ومضامين مناهجها.. نريد من سمو الوزير الأمير أن يبدأ باعداد جيل يستطيع التعبير عن مكنوناته بلغة عربية صحيحة ميسرة.لا نريد متبحرين في علوم القواعد والصرف فهذا مطلوب من المتخصصين بدراسة اللغة وآدابها في الجامعات، ولكننا نريد جيلا يقدر اللغة ويحبها ولا يستسيغ العبث بها وبمعانيها وبجمالياتها. نريد جيلاً يستطيع تلاوة القرآن تلاوة صحيحة.ولي أمنيةقال لي صاحبي: (ولماذا تشغلك كل هذه الأماني؟)قلت لأن الوزير الجديد يعي تحديات النهضة التي نعيشها؛ وأكرر بأن التعليم الصحيح هو سبيل الأمة إلى النهضة، نهضة الإنسان.. ومن أجل صالح الإنسان أنَّى وجد.أتمنى أن أرى مكتب معاليه يعج بعشرات المستشارين المتفرغين وغير المتفرغين في مختلف مناحي علوم التربية.. مستشارين من الداخل (ولا أعني نفسي) ومن الخارج. مستشارين يأتون للوزير كل يوم بفكرة مدروسة ينقحها هو ويضعها موضع التنفيذ. إن آمالي وتطلعاتي كبيرة وراسخة..