محمد الصويغ

وفكرة المتاجرة بالإبداع

أثير هنا هذه القضية بشكل عام، دون الحديث عن بلد بعينه أو نظام حقوقي معين، ونحمد الله أن حق التأليف مكفول هنا بالمملكة ضمن أنظمة معمول بها، رغم أن المؤلف السعودي لم يصل بعد كما هو الوضع في كثير من الدول الأوروبية والأمريكية الى احتراف الكتابة أو امتهانها.ولاأريد الحديث هنا عن احتراف الكتابهة فهذا موضوع طويل ومتشعب، وقد أعرض له فيما بعد، ولكن أتحدث عن حقوق التأليف.. فما هي هذه الحقوق؟ وكيف يمكن الوصول أو الحصول عليها؟لاشك أن تلك الحقوق من الأمور التي تشغل بال المؤلف، وتشغل بال الناشر في وقت واحد، وهي تحظى باهتمام تلك المجتمعات التي راج فيها الأدب والفكر حتى تحول الى– سلعة– رابحة بحيث أضحت تلك الحقوق مشروعة للمؤلف، ولابد من حصوله عليها كحق مكتسب نظير ابداعه الأدبي أو الثقافي أو الفني، وقد أدى ذلك الى انشاء مؤسسات في كثير من الدول المتقدمة مهمتها تنحصر في حفظ حقوق المؤلفين والدفاع عنها.وحقوق التأليف في واقع الأمر لاتنحصر في مكتسبات الأديب المؤلف وحده، وانما تشمل كذلك الموسيقار والفنان التشكيلي والمخرج السينمائي والمطرب وكاتب السيناريو وغيرهم من أولئك الذين يملكون القدرة على الابداع والابتكار في مجالات فكرية وفنية متعددة.ولا أظن أن حقوق التأليف لها طابع مادي تجاري محض، ولكن لها جوانب معنوية كثيرة، وقد ظهرت في هذا العصر كمسألة ملحة وضرورية لاسيما لأولئك المتفرغين لأعمالهم الأدبية والفنية، فالتعامل مع الابداع تحول من صورته الرومانسية القديمة الى صورة أكثر واقعية وفهما، بمعنى أن المجتمعات المتقدمة ماعادت تنظر الى الابداع كأمر فائض عن الحاجة، أو كوسيلة من وسائل الترف، بل تحول الى وظيفة مادية محسوسة وملموسة في حياتنا، وبالتالي أصبح الابداع مادة للاستثمار يجوز للمؤلف عرضها للطلب، بل والمساومة على مردوداتها المالية أيضا.هذا أمر واضح لامجال هنا لمناقشة ايجابياته وسلبياته على الفرد والمجتمع لأنني لاأناقش هنا نوعية المادة وانما أطرح الابداع كفكرة تحولت الى مادة، وأصبحت لها وسائطها كسلعة من السلع الرائجة لها أسواقها وزبائنها ومنتجوها، وأضحت قابلة للعرض والطلب في عصرنا الراهن، وهذا يعني أن للمؤلف حقا لابد أن يتقاضاه لقاء عمله الابداعي.غير أن من المسلم به أن الأديب في أغلب الحالات لا يعرف شيئا عن التجارة فيوكل أمر التوزيع والتسويق والترويج الى ناشر يشتري منه العمل لقاء عقد انفرادي، فيقوم بمهمة البيع والتوزيع والنشر، ويعطي للمؤلف نسبة من الأرباح بعد البيع أو قبله حسب الاتفاق، ويختلف مقدار هذه النسبة من أديب الى آخر، أو من فنان الى آخر بمقدار شهرته وذيوعه في مجتمعه وخارجه أيضا.وغني عن القول أن المعارك التي تدور في محاكم تلك المجتمعات انما تكون بين المؤلف والناشر، أو بين الممثل والمنتج.. غير أن ذلك لايمنعني من البوح بأن صاحب القرار الأقوى هو الناشر دائما فيما يتعلق بالتأليف المكتوب وهو المنتج دائما للأعمال الفنية السينمائية.وأغلب العقود المبرمة بين الناشرين والمؤلفين عادة تقضي بتوزيع حقوق المؤلف على مراحل ثلاث: أولها يدفع عند توقيع العقد، والثانية عند تقديم المخطوط وتسليمه للناشر، والثالثة عند توزيع الكتاب، ونسبة هذه الحقوق تختلف كما نوهت من كاتب لآخر تبعا لشهرة الكاتب ومكانته في مجتمعه.صحيح أن بعض النسخ المطبوعة من كتاب واحد قد تصل أرقامها الى الملايين وتدر على مؤلفيها أرباحا مهولة غير أن ذلك يخضع لجملة من الشروط الهامة أهمها شرطان، مكانة المؤلف وشهرته، ثم أهمية الموضوع المطروح في المصنف، غير أن من الواجب القول هنا أن التلاعب في صرف حقوق التأليف أمر وارد وشائع من قبل الناشر والمنتج، فقد تعددت اشكاله، كما أن السرقات والتقليد والتزييف أضحت من الأمور الشائعة التي سرت في أسواق التأليف كما تسري ألسنة النار في الهشيم، ويبدو أن تلك الألسنة تطاولت فوصلت الى بعض ديارنا العربية التي بدأت تروج فيها فكرة المتاجرة بالابداع الأدبي والفني.