محمد المعيبد

البيروقراطية المسيسة

خضوع البيروقراطية لمعايير جديدة يزيدها تعقيدا؛ فهي في الأصل عليها محاذير يحاول الجميع تجنبها أو على الأقل تخفيف حدتها التي تعيق الإجراء وتعطل الإنجاز؛ فظهرت مدارس في علوم الإدارة تركز على المرونة ومنح الثقة وإعطاء الصلاحيات والحرص على اختيار المنفذين.وهذا ما سرع بخطوات النهضة في أوروبا وجعلها تتجاوز كل المثبطات الإجرائية التي مازال العالم الثالث يئن من وطأتها ولكن عندما يأتي مثل هذا التصرف من الدول المصنفة بالمتقدمة والمتحضرة والمسماة بالعالم الأول تندهش كيف كانت لهم مثل هذه النعوت وسوسة البيروقراطية تنخر في قراراتهم. ولا أجدني بعيدا عن فضيحة كلينتون مع مونيكا التي استهلكت أطنانا من الورق وردحا من الزمن وقدرا من المال بذل فيه جهد لا يستهان به من قيادات لها إمكانياتها ووزنها والنتيجة قرارات رمادية اللون بلا طعم وتركت لها رائحة أزكمت الأنوف؛ وهذه جزئية إجرائية شكلت تلالا من البيروقراطيات النافذة .وكذلك ( ماكفاي ) المتهم بأحداث أوكلاهوما مداولات استغرقت 5 سنوات في تنفيذ حكم الإعدام، حيث لم تخل في جوانبها السياسية من أسباب لتعطيل الإجراء.ولوعرجنا إلى لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة والخاصة بخسائر حرب الخليج الثانية للكويت والعراق والتي انتهت في 1991/2/26 فهي لم تنته من المعروض أمامها بالرغم من مرور كل هذا الزمن والعوامل السياسية هي المتحكمة في الانجاز فاستثمار مثل هذه المبالغ المستحقة سيضاعفه خلال ذلك العقد من الزمان الذي استغرقته لجنة التعويضات؛ فهل ستدخل ضمن حساباتها خدمات التعطل؟ أم سيطالها من البيروقراطية نصيب وتنال من حوارات الأحقية عقدا آخر؟ والسؤال الذي يجب إثارته : هل جميع الاستحقاقات والمطالبات تعرضت لنفس الرتابة والتمحيص والوقت ؟ أم أن السياسة اقتضت تتبع ألوان الطيف في تلوين قرارات الإنجاز ؟ لأننا نلاحظ مرور عقد من الزمان على هذه الاجراءات فلماذا إذا يتهم العالم الثالث بالبيروقراطية ونحن أمام شواهد من العالم المسمى المتحضر الذي يتغنى بإنجازاته وخلوه من معوقات الإنجاز ؟فبماذا نفسر ذلك بغير الخضوع للمثالب السياسية بتنظيراتها، فعندما تمتد مخالب البيروقراطية إلى الأجهزة التنفيذية تحت معايير تفصل مقاييسها حسب قدرة الدول على توظيفها ؟ فهنا تكون البيروقراطية نافعة للقادرين على تطويعها لأغراضهم السياسية بتمديدات إجرائية ومماطلات روتينية وأوضح التطبيقات نفذت في فلسطين وقضية الشرق الأوسط فدم يسفك في الشوارع وأشلاء البشر تحت أنقاض المدن المستباحة قضية فيها نظر وتشكل لها لجان وطفل يقاوم بحجارة فقرار التأييد للجيش الاسرائيلي للاكتساح جاهز بتبريرات غير منطقية.ولا انسى ذلك الفرز المقيت الذي يمارس على قرارات هيئة الأمم ومجلس الأمن فمنها ما يطبق بحذافيره وفي حينه والبعض نخضعه للحوار والتفسير ترعاه بيروقراطية غريبة منتقاة ويؤازره الفيتو الأمريكي ولكن نحن نطبق بيروقراطيتنا بشكل عادل فهي تطبق على الجميع فأيهما في اعتقادك للحس الإنساني أقرب؟جواب لا أنتظره فهو معروف.