أ. د. عبدالله العبدالقادر

طموحات منهكة ومجد تليد

يمثل وضوح الرؤية للمستقبل القريب والبعيد حالة من الأمن النفسي والراحة العقلية التي تولد الأمن الداخلي والأمان النفسي الذي لا يلبث أن يستشعر كطمأنينة عميقة، تكون المصدر الحقيقي للصحة الجسدية والسلوكية والصفاء الذهني والأداء المبهر الذي يجبر الآخر أياً كان، على احترامنا وبذل التقدير لبلداننا ومجتمعاتنا، والعكس صحيح في جميع اتجاهات هذا التفكير العقلاني، فالإحباط وتدني سقف الطموحات بل والهزيمة النفسية التي تورث التخلف الشخصي والمجتمعي والوطني هي نتيجة طبيعية لتراكمات الاحباط بعدم وضوح الرؤية، وهذه السلبية النفسية والسلوكية هي حقيقة مستشعرة لدى الإنسان تزداد سوءا في تناسب عكسي لئيم مع ازدياد الضبابية للمستقبل البعيد ثم القريب لمستقبل ذلك الانسان، ونحن في المملكة العربية السعودية جزء من هذا المجتمع الدولي المتلاطم ننظر بعين حذرة لكل ما يجري حولنا من تحولات سياسية واقتصادية وفكرية وثقافية، تتسم بتسارع في المتغيرات يجعل الحفاظ على مكتسبات الماضي والعمل بجدية تامة لضمان مستقبل معلوم الأركان مهمة غاية في الصعوبة، وما أراه ويراه كثير من العقلاء من محبي تراب المملكة الطاهر أن أولى الأولويات في هذا الشأن يتمثل في الثقل الحقيقي للحاضر والمستقبل السعودي، وهو المواطن الذي يتمحور حوله كل شيء في الوطن وهو القوة الحقيقية التي يجب إعطاؤها الاحترام والطمأنينة من خلال رؤى وطنية واضحة المعالم في الاقتصاد والتعليم والصحة والإسكان والتقنية، وبالذات في بدائل الطاقة وكل ما يخدم الوطن في خططه التنموية مدنيا، ويضمن له كيانا مهاب الجانب عسكريا وهذا المواطن المخلص لعقيدته ولبلاده ومليكه يطالب من هم في سدة المسؤولية أن يعملوا من خلال التخطيط الحاذق؛ لتحتل المملكة العربية السعودية مكانة متقدمة في التراتيب الدولية في التعليم ومعايير الصحة والدخل القومي المطمئن والإسكان والأمن المائي والغذائي، ولا لأحد أن يلمزنا عندما نطالب بمثل هذا فقدرنا أننا خلقنا كبارا قبل أن نولد، والشفرة الوراثية التي ورثها لنا عمرو بن كلثوم وآباؤنا العرب الآخرون تجعلنا نترنم بالكبرياء قائلين:وَرِثْنَا المَجْدَ قَدْ عَلِمَتْ مَعَـدٌّنُطَاعِنُ دُوْنَهُ حَـتَّى يَبِيْنَـاوَنَحْنُ إِذَا عِمَادُ الحَيِّ خَـرَّتْعَنِ الأَحْفَاضِ نَمْنَعُ مَنْ يَلِيْنَـامَلأْنَا البَـرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّـاوَظَهرَ البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سَفِيْنَـاإِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـاورصيد الأمة التاريخي في الحضارة داعم لكبرياء أنفسنا ومغذٍ لسمو ذواتنا، ومن لا يعلم ذلك أو يجهل بعضه فأحيله الى الكتاب البريطاني الرائع «ألف اختراع واختراع» الذي أنصف التاريخ العلمي للعرب والمسلمين، والذي أدعو بقوة كل الآباء والأمهات لاقتنائه في مكتبة المنزل والحرص على أن يقرأه أبناء الجيل، وقد يكون الوضع النفسي والفكري للإنسان السعودي أقوم من غيره في هذا المجال، إذ إن بيئة الأمن والأمان والثروة في وجود العقول السعودية، لا بد لها أن تتمخض عن إنجاز حضاري حقيقي، والذي يمثل عدم حصوله في رأيي الذي له ما يدعمه معضلة حقيقية في تاريخ الأمة السعودية التي لا نأمن عليها من تقلبات الزمان، وانحدار اسعار البترول في يوم كريهة وسداد ثغر، يجب أن نعيشه فكرا لكيلا نعايشه ضنكا وفقرا لاقدر الله، والمطلوب في الفترة الحالية هو التأمين القوي الأمين في جميع مجالات الحياة السعودية والتخطيط السليم، واستخدام العقول من حولنا سواء كانت وطنية أو غيرها فالحكمة ضالة المؤمن متى وجدها أخذ بها، كما أن الشفافية ووضوح الرؤية في معظم شأن عمل الدولة هو مطلب هام جدا لبلوغ حالة الطمأنينة لدى المواطن السعودي الذي يعيش في حقبة تاريخية بلغ فيها الوضع في القطاع الصحي على سبيل المثال مراحل من الغموض في كل شيء، غموضا لا نريده أن يكون جزءا من الحياة التي أضحى فيها أطفالنا في غرف نومهم يتصارعون إلكترونيا مع أقرانهم في ما وراء البحار، ولن يغير الله ما بقوم حتى بغيروا ما بأنفسهم، هي طموحات منهكة تستقرئ مجدا تليدا آن له أن يحيا، فهل قومي يعقلون؟.* عضو وزميل الكليات الملكية البريطانية للأطباء