عبدالله المديفر

قصة وزيرين ..

تخيل معي هذه القصة في طريقة عمل وزيرين يفصل بين وزارتيهما شارع بعرض ثلاثين متراً، فالوزير الأول يقطن في الطابق الأخير من مبنى وزارته، والوزير الثاني يتربع بالدور الأول من برج الوزارة، وكلاهما يعمل بطريقة مختلفة عن الآخر. فوزيرنا الأول فرغ عدداً من الموظفين لإنجاز أعمال "نوعية" من منازلهم، واكتفى باجتماع أسبوعي في مبنى الوزارة لاستعراض ما تم إنجازه حسب الخطة المعدة سلفاً. أما وزيرنا الثاني فلا يمكن أن يُقدم على مثل هذا الإجراء، فهذا نوع من التسيب بحجة العمل، والأعمال يجب أن تنجز من مكان العمل في مكاتب الوزارة، وهذا القرار يخالف مبادئ الالتزام بالدوام واحترام الانضباط الإداري.وزيرنا الأول يتحايل على النظام في التوظيف، فهو يستقطب بعض الكفاءات من القطاع الخاص بأجور عالية ويوظفهم داخل الوزارة بعقود خارجية عن طريق الشركات التي تتعامل معها الوزارة لأن نظام الخدمة المدنية لا يعطي الحق في التوظيف المباشر بمثل هذه المبالغ. وهذا الوزير يعتقد أن أداء الوزارة سيتطور كثيراً باستقطاب هذه الكفاءات، فهو لايرى حرجاً من التحايل على النظام لتحقيق المصلحة العامة، وفي الطرف الآخر من الشارع يرفض وزيرنا الثاني القيام بمثل هذا التوظيف، ويعتبره ضرباً من الفساد الذي يخالف النظام، والمصلحة العامة هي تطبيق النظام بصرامة والمحافظة على هيبته.وزيرنا الأول لا يعترف بالأقدمية، وفي قناعاته أن عمل عشرين سنة لا يعني خبرة عشرين سنة وعدد الشباب في المناصب من حوله مرتفع، بينما وزيرنا الثاني يُقدر أصحاب الخبرة والخدمة الطويلة، والمناصب الرفيعة تأتي بعد أن يبذل الموظف سنوات عمره في سلم الترقيات داخل الوزارة حتى يكون معداً بشكل حقيقي لهذا المنصب.وزيرنا الأول يصرف حوافز مادية كبيرة للمجتهدين في عملهم رغم تجاوزها القانوني، ويخلط بين بنود الصرف بحجة أن تحفيز العاملين من أهم البنود، ويعطي إجازات غير نظامية للمنجزين، وهذه الحوافز غير النظامية مستحيلة في عرف وزيرنا الثاني لأنها تخالف الأنظمة المالية والإدارية، وهذه الحوافز لا يمكن صرفها إلا بالآلية التي كفلها النظام.وزيرنا الأول شغوف بسرعة الإنجاز ، لذلك تجده يتجاوز بعض الإجراءات الإدارية التي تضمن السلامة الإدارية، فسرعة الإنجاز أهم عنده من السلامة الإدارية التي تعطل قاطرة المنجز. وفي المقابل تجد وزيرنا الثاني في قمة الحرص على السلامة الإدارية للإجراءات، ولا يمكن أن يتخطى أيا منها بحجة سرعة الإنجاز ، ومن أهم واجبات الوزير التأكد من استيفاء المعاملات لكافة الشروط حسب الأنظمة المتبعة.وزيرنا الأول يتفاعل مع ما يطرح في وسائل التواصل الاجتماعي، ويشارك المغردين عبر صفحته الشخصية في تويتر ، ووزيرنا الثاني يستخف بما يطرح من المغردين، ويكتفي بالتصريحات الرسمية التي يبثها موقع الوزارة، ويعتبر هذا النوع من التعاطي هو اللائق برجل يحمل حقيبة وزارية.يبقى أن أخبرك بأن هذه الأحداث السابقة هي قصص وهمية من خيالي ولا تمت للواقع بصلة، وسؤالي الحقيقي للقصة الوهمية : هل يحق للوزير الأول أن يمارس الإصلاح غير النظامي؟ وهل ما يفعله الوزير الثاني فساد نظامي ؟