هيلدا اسماعيل

ما بعد حفلة الضحك

اعتدنا أنه لا يوجد شخص في «تويتر» يمكن أن يكون فوق النقد أو (الهشتقة) مهما كانت رتبته ومكانته. وكالعادة اقتنص المغرّدون قبل أيام ما يمكن اعتباره غنيمة أو فرصة للتهكّم والسخرية الجبّارة واللاذعة، وكان الفنان «هاني ناظر» هو طريدتهم أو ضحية نفسه هذه المرة، فسرعان ما تحوّلت هفوته تلك إلى حالة هيجانية من التعليقات. في الحقيقة لا أنكر أبداً أنني انسقتُ تلك الليلة وراء النكات التي أضحكتني للدرجة التي أوجعتني فيها خاصرتي. وبدأتُ أتأمّل ما تم نبشه من قبل المغردين في تغريدات الفنان وقناته على اليوتيوب وكل ما ينشره من صور وقصاصات من حواراته وتصريحاته الصحفية ومقاطع لمسلسلاته القديمة، حتى وقعت عيني على مقطع يوتيوبي يتضمن احتفاله هو وأولاده بمرور خمسة عشر عاماً على زواجه من والدتهم، وذلك بتزيين منزله بالورود والشموع والستائر الحمراء وقطعة حلوى كبيرة تحمل العدد ١٥، بينما التف أفراد عائلته الصغيرة حوله ملوّحين لكاميرا الفيديو. قمتُ بتكبير الصورة وحوّلتها على نجله الأكبر فرأيت الفرحة الغامرة والفخر الذي يحمله لوالده، وهالتني لمحة البراءة في ملامحه والتي لم أعد أجدها في جيل هذا الزمن من المراهقين والشباب. عندها بدأ الخجل مما فعلته يتسرّب إليّ شيئاً فشياً، وكلما شاهدتُ مقطعاً لذكرياته العائلية في السفر والأعياد والمناسبات كرهتُ نفسي أكثر على كل تلك الدموع التي ذرفتها بسبب الضحك. ولكن بعد أن انتهت حفلة الضحك تلك.. أدركتُ فوراً أن من أخضعناه لهذه المحاكمة التويترية لا يمكن أن يُحاكم بلقطة، وأنه مزيجٌ كاملٌ من النجاحات والمحاولات والعثرات والأفراح والأتراح والضعف البشري. ولا أظن أنني وحدي من انتبه أن التعليقات الساخرة قد تجاوزت حدّ الضحك.. إلى حافة الأذى، إلّا أننا تعودنا على التعامل مع الاسم (الُمهشتق) بلا مسؤولية أخلاقية، غير متصورين أن هذا الاسم هو في الأصل لشخص حقيقي من لحم.. ودم. كم المواد المتعلقة بالفنان والتي نشرها بنفسه قد تعني بأنه ربما شعر بانحسار الأضواء عنه، فأراد استغلال الملتيميديا ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر كل ما يتعلق بحياته، بالإضافة إلى عرض كل ما كان مكدساً في الأدراج والأشرطة المسجّلة رغبة في تحقيق (هاجس الخلود) الذي نسعى وراءه جميعاً منذ بدء الخليقة. أو ربما أن هذه هي طريقة «هاني» في تذكير الناس به أو بإحاطة نفسه بهالة نجومية من جديد. وبغض النظر عن هذه الطريقة التي لم تعجب الكثيرين ومنهم أنا في ترويجه لذاته وتاريخه مستغلاً هاشتاق (رابطة عشاق سفير الفن)، إلا أنني والكثير منكم أيضاً لابد أن نكون ضدّ فكرة التنكيل بشخص دون أخذ محيطه الاجتماعي بعين الاعتبار، ودون أن نتذكّر أن له أسرة تحبّه.. تعيش معه.. وتفخر به.