د.عصام عبدالله محمد الخرساني

تشخيص الداء في خدماتنا الصحية

المواطن يسأل ومن حقه ان يسأل: لماذا بالرغم مما تصرفه الدولة من مليارات الريالات على الخدمات الصحية إلا ان المخرجات ضعيفة ولا تتناسب إطلاقا مع ما يُصرف!! مازال المواطن لا يجد السرير وما زالت المواعيد تمتد لأشهر عديدة، وما زال الوصول الى الخدمات غير ميسر، ويصبح ميسراً احيانا. وما زال التباين في الخدمات الصحية بين منطقة ومنطقة أخرى، وما زال المرضى يعانون ويتكبدون الصعاب في الانتقال من مكان لآخر طلباً للعلاج، طبعاً هذا بعض الشيء. خلال العقود الماضية تعاقب على وزارة الصحة عدة وزراء وكل وزير يأتي بخطط، وبعض الوزراء يستعين برجال من خارج الوزارة، وهذا ايضاً من حقه طلباً للتغيير للأفضل ولكن للأسف فالوضع ما زال كما كان، وما زال التغيير مطلباً لكل مواطن لنصل الى المستوى المنشود من الرعاية الصحية. اذن اين اصل المشكلة؟؟ من اجمل ما قرأت في البحث عن أصل المشكلة هو ما كَتبَ المهندس حسين جهاد والذي يقول: "التنظير او التخطيط أمر ممتع وسهل، التعقيد يتمركز في الآليات المناسبة لواقعنا والتحدي يكمن في الالتزام والإلزام في التنفيذ والتطبيق، والتحدي الكبير يتمثل في تعديل او تصحيح او تغيير او إصلاح خطة العمل واستراتيجياتها بعد انطلاق المشروع، وحل المشكلات يبدأ من نقطة البحث عن سبب غير معروف، فلنبحث عن السبب". لذا فإنه قد يكون مناسباً ان يعلم القارئ الكريم ان لدينا خططاً ممتازة للوصول الى مستوى متقدم من الرعاية الصحية، وان المجلس الصحي السعودي (مجلس الخدمات الصحية سابقاً) هو الـ "Think Tank" الذي يُنظرُ ويضعُ الخطط لوزارة الصحة، وهذا المجلس هو الذي قدم استراتيجية الرعاية الصحية في المملكة الى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ولقد صدرت الموافقة السامية عليها بموجب المرسوم الملكي رقم/ 39175) ب ( وتاريخ 1430/9/21 هـ المشار فيها إلى قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (320) وتاريخ 17/9/1430. وهذه الاستراتيجية اقل ما يقال عنها هي مطمح كل مواطن وكل مسئول في هذا الوطن. عندما تقرأ رؤية ورسالة المجلس الصحي السعودي لا تملك الا ان تقول اننا نتفق مع المجلس في هذه الرؤية والرسالة وهي: "العمل على وضع التنظيمات التي تضمن التنسيق والتكامل بين الجهات الصحية المختلفة في المملكة، لتقديم خدمات صحية ذات جودة عالية بطريقة ميسرة ومأمونة، بما يمنع الازدواجية وإهدار الموارد ويحقق العدالة في توزيع الخدمات الصحية، وكذلك العمل مع الجهات الصحية والقطاعات ذات العلاقة بما يضمن تنفيذ برامج وطنية تساهم في تعزيز الصحة"، وعندما تنظر من هم أعضاء هذا المجلس ومن يمثلون؟ نجِدُ انهم نخبة من رجال الوطن المؤهلين الذين يمثلون جميع الجهات الحكومية وغير الحكومية التي تقدم الخدمات الصحية للمواطن والمقيم، وعندما ننظر للاستراتيجية العامة لتطوير الخدمات الصحية والتي وضعها المجلس وهي: أولا: تطوير نظم المعلومات الصحية وادخال احدث تقنياتها والتوسع في استخدامها في جميع القطاعات والمرافق الصحية. ثانياً: تنمية القوى العاملة وتطويرها وتوطين الوظائف الصحية. ثالثاً: تحسين الجودة ورفع كفاءة الاداء ونظم الادارة والتشغيل. رابعاً: تفعيل دور وزارة الصحة بالإشراف ومراقبة الاداء، ووضع السياسات الصحية وضمان توفير الخدمات الصحية لجميع الفئات السكانية مع قيام كل جهة صحية بدورها المحدد في تقديم الخدمات الصحية. خامساً: دعم دور القطاع الخاص واعتباره موازيا متكاملا مع دور الدولة في تمويل وتشغيل وتقديم الخدمات الصحية. سادساً: تعزيز الصحة بمفهومها الشامل من خلال ضمان وتطوير انشطة الرعاية الصحية الاولية. سابعاً: رفع كفاءة الخدمات الطبية الإسعافية الى اقصى حد ممكن في كل الظروف وفي جميع المناطق. ثامناً: توفير وتطوير الرعاية العلاجية والتأهيلية وتأسيس خدمات صحية مرجعية بالمناطق تساندها. تاسعاً: العمل على التوزيع المتوازن للخدمات الصحية جغرافيا وسكانيا وتيسير الحصول عليها. أقول عندما ننظر الى هذه الاستراتيجيات نقول ان هذا هو حلم كل مواطن ومقيم، ولكن بعد مرور خمس سنوات على إقرار هذه الاستراتيجية، ولا يجد المواطن والمقيم تغيراً ملموساً في خدماتنا الصحية، فإن ذلك يتطلب تدخلاً سريعاً والقيام بتغيير جذري يضمن تحقيق اهداف هذه الاستراتيجية او تغييرها بالكامل اذا لم تكن قابلة للتطبيق، صحيح ان التنظير والتخطيط أمر ممتع وسهل لكن ما فائدته إذا لم يترجم الى أرض الواقع، بل إني أتساءل هل تم تشخيص الداء في خدماتنا الصحية قبل وضع الخطط؟؟ اني اشك في ذلك فلو ان التشخيص قد تم لما وُضعت الرعاية الصحية الاولية في ذيل القائمة، وهي من اهم الأولويات بل اني اُشكك في فائدة هذا المجلس الذي لم يستطع ان يعترض على تخصيص خدمات غسيل الكلى في المملكة. وهي من الخدمات المتميزة التي تقدمها وزارة الصحة ولم يُطالب بتخصيص مراكز الرعاية الصحية الأولية، وهي أسوأ الخدمات التي تقدمها وزارة الصحة، ولكم ان تتصوروا حجم المردود على الرعاية الصحية الأولية، لو ان الـ 14 مليارا التي ستضخ في تخصيص مراكز غسيل الكلى وضعت في تطوير مراكز الرعاية الصحية الاولية، وهذا مثال واحد ولدي المزيد مما لا يتسع له المجال. انني ادعو وزير الصحة المكلف ورئيس المجلس الصحي السعودي معالي الدكتور عادل محمد فقيه - سلمه الله - ان يُوجه بمراجعة إنجازات المجلس خلال السنوات الماضية، وان تتم ايضاً مراجعة آلية عمل المجلس الصحي السعودي ليكون فعالاً وليس مُنظراً، وان يكون واقعياً في طروحاته بما يتناسب مع امكانيات وقدرة وزارة الصحة والجهات الصحية الأخرى في تنفيذ قراراته والله الموفق.