د.ابراهيم العثيمين

تعزيز المسيرة السياسية لمجلس التعاون الخليجي

يستحضر هذا المقال عنوانه من حلقة النقاش التي عقدتها الامانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، بعنوان "سبل تعزيز المسيرة السياسية لمجلس التعاون" بمقر الامانة بالرياض يومي 22-23 اكتوبر 2014. جاءت هذه الحلقة تنفيذا لما جاء في اعلان قمة الكويت (ديسمبر 2013)، والمتضمنة التواصل مع الرأي العام الخليجي والكتاب والمفكرين للتعرف على آرائهم ومقترحاتهم بشأن سبل تعزيز مسيرة مجلس التعاون، بما يحقق المصالح المشتركة لدوله وشعوبه واطلاعهم على الخطوات التي يتم انجازها في الخطط والمشاريع التي تم تبنيها خلال مسيرة العمل الخليجي المشترك. وقد شارك في حلقة النقاش نخبة من المفكرين والأكاديميين والكتاب ومراكز الدراسات الاستراتيجية والسياسية في دول مجلس التعاون. ناقش المشاركون من خلال عدد من الاوراق العلمية، والمداخلات والاسئلة مسيرة العمل الخليجي المشترك في المجال السياسي. ولعلي هنا ألخص ابرز القضايا والرؤى التي تناولتها الحلقة في خمس رؤى وتصورات رئيسية، ولأن الحلقة كانت مغلقة وعقدت في اطار قاعدة تشاثام هاوس (إبداء الآراء مع عدم الإفصاح عن هوية المتحدثين) التي تتيح للمشاركين المجال لمناقشة كل المواضيع الهامة والحساسة بشفافية وصراحة. وبالتالي التزاما مني سوف أكتفي بالافكار العامة التي تناولتها الحلقة دون كشف هوية المتحدثين نزولا عند قاعدة تشاثام هاوس. اولا: اليقين المؤسساتي، فأكبر مكسب تحقق لمجلس التعاون الخليجي بعد 33 سنة هو الانتقال من مرحلة الشك الى مرحلة اليقين، ولم يعد بالامكان العودة لما قبل المجلس مهما اشتدت الخلافات. فالمجلس انتقل كليا ونهائيا الى مرحلة اليقين وتجاوز السؤال يكون او لا يكون. المجلس جاء ليبقى بعد ان تداخلت المصالح وتشابك المصير الواحد. فنحن نتحدث عن 46 لجنة وزارية و350 لجنة عمل و700 اجتماع سنويا، أي اجتماعين يوميا بمشاركة 13 الف مسؤول خليجي من مختلف القطاعات. وبالتالي عودة المجلس الى مرحلة ما قبل المجلس اصبحت مستحيلة، وليس امام المجلس سوى المزيد من التعاون الامني والتنسيق السياسي والاندماج الاقتصادي. ثانيا: مجلس الحد الادنى، رغم انتقال المجلس لمرحلة اليقين المؤسساتي ظل التنسيق السياسي في حده الادنى، ومجلس التعاون سياسيا هو مجلس الحد الادنى وليس مجلس الحد الاقصى. فالمؤشرات للتنسيق الخليجي تؤكد ان ما تحقق لا يتجاوز 3-4 من التنسيق السياسي من اصل 10 درجات تنسيق في السياسات والمواقف والرؤى. فخلال 33 سنة من التعاون لم ينعدم التنسيق السياسي في اي وقت من الاوقات لكنه لم يصل الى مستوى الحد الاقصى. وهذا امر طبيعي فكل التجارب التعاونية او الاندماجية، ان كانت هذة التجربة مجلس التعاون او اي تجربة اخرى التقدم فيها بطيء، تتقدم خطوة وتتأخر خطوتين، متذبذبة بين نجاحات واخفاقات بما في ذلك الاتحاد الاوروبي، فبعد خمسين سنة عجز الاتحاد الاوروبي عن التحول الى قوة سياسية فاعلة في النظام الدولي. وبالتالي فالقاعدة الذهبية في التجارب الاندماجية والتعاونية انها تجارب بطيئة، فلا يجب الافراط في التفاؤل والطموحات. ثالثا: اللحظة الخليجية، رغم سياسة الحد الادنى الا ان المجلس استطاع تحويل دول الخليج الى مركز الثقل السياسي والدبلومامسي العربي، حيث اصبح الجزء الخليجي اكثر تأثيرا في الكل العربي. فلم يعد الخليج "إقليم الهامش في المنطقة العربية، بل أصبح ونتيجة لأسباب جيو ـ استراتيجية متغيرة هو مركز الثقل في المنطقة العربية". وبالتالي فإن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله للاتحاد الخليجي هدفه الاستراتيجي هو نقل التنسيق السياسي من حده الادنى الى حده الاقصى، مما سيضاعف مرات من تأثير الجزء الخليجي في الكل العربي. فالتنسيق السعودي الاماراتي الراهن يعتبر نموذجا لنقل التنسيق السياسي من الحد الادنى الى الحد الاقصى لمواجهة التحديات الخارجية بقدر اكبر من النجاح. رابعا: ضبط حدود الخصومة، من الطبيعي وجود اختلافات في الرؤى والمواقف بين دول المجلس، وكذلك من الطبيعي وجود خلافات بين دول المجلس الا ان التصعيد الراهن كان مؤلما ووصل حدودا غير مسبوقة في الخصومة، فلا بد للأشقاء في الخليج من تسوية الملفات الساخنة، فإن لم يكن بالامكان الوصول الى تسوية شاملة متفق عليها او الى تسويات انتقالية، فعلى الاقل في المدى المنظور لا بد من ضبط حدود الخصومة بينها في هذه الملفات، والتي يجب ألا تعوق استمرار التنسيق في الملفات الأخرى.خامسا: اصدقاء الاتحاد الخليجي، يجب خلق مجموعات شعبية باسم (اصدقاء الاتحاد الخليجي) في كل دولة خليجية من قطاعات طلابية ومؤسسات المجتمع المدني ورجال الاعمال، تعمل كحاضنة ودافعة وضاغطة للمزيد من التعاون والتنسيق ويمكن ان تتم بجهد شعبي وليس رسميا حتى تكون اكثر استقلالية. * محلل سياسي