كلمة اليوم

الواقع السوري والمآلات الدامية

لم تكن المملكة حينما رفضت عضوية مجلس الأمن في مثل هذا الوقت من العام الماضي تريد أكثر من أن تلفت أنظار المجتمع الدولي إلى ضرورة إصلاح هذه المنظمة الدولية، ووضع كافة الدول المنضوية تحت لوائها أمام مسؤولياتها، للانحياز للحق والعدالة، والعمل مع كافة القضايا الدولية بمعايير ثابتة تراعي حقوق الشعوب مثلما تراعي حق السيادة لكل شعب على أرضه ومقدراته، وقد شكل ذلك الموقف ما يشبه دق ناقوس الخطر إزاء ما آلت إليه الأمور في سوريا بعد أن تعثر النظام الدولي في إيقاف يد الأسد عن قتل وتشريد شعبه، وأصبحت قضيته عرضة للمزايدات والمراهنات من قبل بعض الأنظمة الاقليمية والدولية، الأمر الذي أدى إلى هذا الواقع الدامي والمأزوم، وحوّل الجغرافيا السورية إلى وكر لكل قوى الشر والإرهاب التي طالت ألسنة لهيبها كل دول الجوار السوري، وغيّبت ثورة الشعب الثائر لكرامته ولقمة عيشه خلف أغلفة الصراع الدامي الذي باتت التنظيمات الإرهابية هي اللاعب الأول فيه، لنصل بالنتيجة إلى هذا المنعطف الخطير من الإبادة الجماعية لعشائر وقرى وبلدات على ضفتي الصراع في كل من سوريا والعراق، والتي لم يستطع لبنان أن يكون بمنأى عنها. لم تكن المملكة يوما ضد خيارات الشعوب، وهي التي خلصت نظام الأسد من عزلته الدولية قبل أن يثور عليه شعبه، وقبل أن يُعمل هو فيهم آلة القتل والموت، ويجردهم من بيوتهم ومدنهم وقراهم، مثلما لم تكن ضد نظام الأسد في بادئ الأمر حينما طالبته باللجوء إلى الحلول السلمية وتحقيق مطالب شعبه المشروعة، لكنها حينما أدركت أنه ما عاد بوسعه أن يستبد بحكم شعب لا يريده انحازت لجانب الشعب، لأنها تدرك أن الحل الأمني والعسكري سيفضي ولا شك إلى هذه النتيجة الحتمية التي مزقت كل جغرافيا المنطقة، وخلعت عنها الأبواب لتسمح لكل الخارجين عن القانون الدولي والأعراف الإنسانية أن يجتمعوا في هذه الساحة المستباحة ليمارسوا شذوذهم في القتل وتصدير الموت هنا وهناك، بحيث توارت الثورة خلف طغيان الإرهاب وسطوة حضوره، وهذا هو مرتكز الموقف السعودي من المنظمة الدولية التي تراخت كثيرا مع الأزمة السورية، وأطلقت يد النظام الذي لم يعد بوسعه أن يسيطر على الوضع وهو الذي بات يختبئ في قلب العاصمة دمشق، ويحارب شعبه بقوى الحلفاء المستوردة مما وراء الحدود، لتتدهور الأمور، وتتحول المنطقة برمتها إلى ساحة للفوضى والعبث السياسي والعسكري، مما سحب البساط من كل الأطراف، وعطل قدرتها على اجتراح الحلول، بفعل قوى الأمر الواقع التي باتت هي المحرك الأساسي لما يجري هناك، وبما يرشح هذه الأزمة المتفاقمة لمزيد من التعقيدات التي قد تمتد آثارها السلبية لسنوات طويلة، والتي كان من الممكن تفاديها لو أصاخ المجتمع الدولي السمع لنداءات المملكة المتكررة، وتحذيراتها المتوالية للحيلولة دون الانزلاق لهذه النتيجة الدامية التي انعكست نتائجها ليس على الواقع السوري الذي يواجه مصيرا غامضا وحسب، وإنما على كافة دول المنطقة، واطرادا على المجتمع الدولي برمته، والذي سيجني تلك الثمار المرة نتيجة معاييره المزدوجة، ونتيجة إصراره على تجاهل ما كان يحدث هناك منذ بدء الأزمة، ليدرك بعد فوات الأوان أن استخدام مثل هذه القضايا كأوراق سياسية على طاولة المفاوضات في قضايا آنية إنما هو ضرب من اللعب بالنار، وسياسات قصيرة النظر لا تدرك البعد الجيوسياسي لهذه المنطقة شديدة الحساسية على صيرورة الاقتصاد الدولي، والاستقرار العالمي.