شمسة البلوشي

السعودية بعيون إماراتية

انقضت الإجازةُ ومعها عادت العائلاتُ السعودية من دبي حاملةً معها مختلف الهدايا والعطور والبخورِ ودهن العودِ الذي تشتهرُ به (دبي) منذُ القدم.عندما يُقال: (سعودي في دبي) فسرعان ما يتبادرُ إلى الذهنِ الانطباعات التي ارتسمت لدى المسافرِ السعودي عن دبي الجميلة، ولكن ما انطباعاتُنا عندما يُقال: (إماراتي في الرياض)!!(محمد المرزوقي) من دولةِ الإماراتِ الشقيقةِ لم يزر المملكة إلا مرةً واحدةً لأداءِ مناسكِ العمرة، ولم يكن هناك أيُ اسمٍ سعودي على لائحةِ أصدقائهِ ومعارفِه ومع ذلك كان يحملُ انطباعاً عن الشعبِ السعودي أنهم مجموعة من البدوِ تُلصقُ بهم مخالفة كلِ قانون!! هذا الانطباع استمر في ذهنِ هذا المواطن الإماراتي حتى جاءَ منتصفُ يوليو لعام 2004 عندما تناقلت وكالاتُ الأنباءِ المحليةِ والعالميةِ هذا الخبر: (خطفَ اتحادُ اتصالاتِ الإماراتيةِ رخصةَ الجوال الثانية في السعودية.... الخ) ويُقصد بها (موبايلي)، ولم يكن يدورُ بخلدهِ أن هذه الصفقة ستجعله يتغربُ عن وطنِه قرابةَ سبع سنوات يعيشها في المملكة ليعرفَ حقيقة شعبِها عن قرب.يقول المرزوقي: (أحببتُ أن يكون وجودي في السعودية سبباً لتغييرِ بعضِ عاداتي السيئة ومنها التبذير، ولأكتسبَ خبرةً جديدة في مجالِ عملي)، مرت الأعوامُ سريعةً، وفي إبريل من عام 2011 غادرَ المرزوقي الرياض عائداً لوطنِه بعد أن حملَ في نفسِه وذاكرتِه تاريخاً زاخراً عن الشقيقةِ الكبرى، تكلم كثيراً وأسهبَ في بعضِ الجوانبِ واقتضبَ في أخراها، وكان مما قاله في كتابِه (إماراتي في الرياض):- عن المعيشة والراتب: ما يميزُ الحياة في المملكة هو رخصُ تكاليفِ المعيشة بشكلٍ كبير مقارنةً بجاراتِها في الخليج وخصوصاً في قطر والإمارات وهذه ميزةٌ كبيرةٌ استطاعت بها المملكة أن تواجه انخفاضِ معدلِ الرواتب مقارنةً بدولِ الخليجِ الأخرى، إن الموظفَ في الإمارات يستلمُ أضعافَ ما يستلمه قرينه السعودي إلا أنه مكبلٌ بتوفيرِ مستلزماتِ الحياةِ من سكنٍ ومعيشةٍ والتي تكلفه أضعاف متوسطِ أسعارِها في السعودية. - عن المطارات: يعجبُني مطار الرياض فأنا أحسُ براحةٍ كبيرةٍ فورَ أن أدخلَ قاعاتِ الانتظار ذات السقفِ المرتفع، أرى أغلبَ الأخوةِ السعوديين يفضلون المطارات العالمية (دبي، سنغافورة)، إن المنادين بإصلاحِ حالِ مطار الملك خالد لا يُدركون أن الخللَ ليس في المطارِ بل في الظروفِ المحيطةِ به، في مطارِ دبي تتعب وأنت تمشي وتصطدم بالزحمةِ غير الطبيعية من ألوفِ البشر يتراكضون هنا وهناك فيسببون لك حالةَ قلقٍ عكس حالة الهدوءِ التي تلفُ أجواءَ مطارِ الرياض.- عن رجال الأمن: إن العناصرَ المحترمةَ بجهازِ الأمنِ السعودي تغلبُ على كلِ العناصرِ الأخرى، وأن الطيبةَ والعفويةَ هما سمتا الشخصِ السعودي، في أكثر من موقفٍ تعرضتُ فيهِ لمشكلةٍ مروريةٍ إحداها: (تعطلُ سيارتي على طريقِ الدمام- الرياض) كان رجلُ الأمنِ يقفُ لمساعدتي: (نحن نحبُكم يا أهلَ الإمارات، والسعوديةُ هي موطنكم الثاني)، قالها لي أحدهم وهو من الجنوب ومن أبها تحديداً وأصرَ أن يضيفني في بيتِه إلى أن يتمَ إصلاحُ سيارتي!! هذا الرجل لم يكن هناك أيُ شيءٍ يجبرُه على أن يقفَ معي لمدة ساعة في الجو الحار ولكنه التلاحم ما بين رجلِ الأمن والمجتمع، وهذا ما أوضحهُ الأميرُ نايف بن عبدالعزيز ولي العهد ورجل الأمنِ الأولِ في المملكةِ -يرحمُه الله- في أحد تصريحاتِه. - عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الهيئةُ كرسالةٍ لم تفشل، بل أراها ضرورية جداً، وإن كانت ستفشل فهي بسببِ سوءِ إدارتِها فطوال مدة إقامتي الطويلة لم أسمح لنفسي بأن أقومَ بأي تصرفٍ يضعني في مواجهةٍ علنيةٍ معهم، وإذا سُمحَ لي ببعضِ النصح فهو أن يتجنبوا الأسلوبَ الحاد في النقاش، فنحن نتقبلُ منظرَ رجلِ الشرطة المتجهم ولكننا لم نتعود من رجلِ الدين إلا البشاشة والسماحة لأنه يعكسُ لنا سماحةَ الإسلام.وماذا بعد؟تنظرُ دولةُ الإمارات دائماً إلى جارتِها السعودية نظرةَ الأخ إلى أخيه الأكبر وهذا هو سببُ العلاقاتِ المتميزةِ بين البلدين، أتيتُ إلى هذا البلدِ غريباً وأصبحتُ بمرورِ الوقتِ واحداً من أهلِه، سأشتاقُ إلى وجودي في المملكة التي شكلتني بطابع جديد وأضافت لي الكثيرَ من الخبراتِ وشذبت شخصيتي وأفكاري) انتهى.في الختام:السعوديةُ والإمارات ودولُ الخليج العربي لآلئ في صدفةٍ واحدةٍ (نحنُ هنا وأحبابُنا هناك، وهم هناك وجذورهم هنا)!!* خبيرة إدارية- تربوية