د. جاسم الياقـوت

العام الهجري الجديد

ها هو عام مضى وانقضى، وساعات ودقائق وانتهت فهل يا ترى غمرت بالطاعات وتحصيل الحسنات، أم لطخت بالمعاصي والسيئات؟. تدور عقارب الساعة بلا توقف معلنة عن إنهاء فصل من فصول الحياة البشرية بكل آلامها، وأفراحها، وتطلعاتها، وآمالها، بحثاً عن تحقيق النمو والرخاء والازدهار، ومقاومة كل عوامل الفتنة وزعزعة الاستقرار، وطلباً في السعي الدؤوب نحو تحقيق المشروعات الكبرى التي تعود بالنفع والفائدة على ربوع الوطن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه. ويحسن بالمسلمين جميعا وخاصة العاملين في خدمة الإسلام، أن يتخذوا من هذه المحطة المهمة في حياتهم وقفة للمراجعة والمحاسبة، والاعتراف بالأخطاء، وتقويم الأعمال؛ ليكون ذلك مدخلا للتصحيح ومعالجة الأخطاء. في هذا اليوم، الذي يعلن عن نهاية عام هجري سابق، وبداية عام هجري لاحق، هناك قيم في الحياة لابد من الالتزام بها ولابد دائماً أن نكون منصفين تجاه من حولنا ولا نجور على حقهم بإنكار فضلهم أو تضحياتهم من اجلنا مهما مضت الأيام، فتضحيتهم الكبيرة كانت نبراساً يشتعل مما دفعوه من أيامهم وعمرهم فلولاهم ولولا تضحياتهم من أجلنا ما وصلنا لما وصلنا إليه فلا ينكر الفضل إلا جاحد. وعلينا أن نعلم أن التقدم والازدهار لا يأتي اعتباطاً ولكن هناك عيونا ساهرة، وراعية على رفعة الوطن، ورخاء المواطنين، والدفاع عن حدوده الخارجية، وحماية نسيجه الداخلي، والوقوف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه العبث بمقدرات هذه الأمة. لقد كانت الهجرة المباركة البداية لوضع حجر الأساس لدولة الإسلام، وارثاء قواعدها، وقوانينها التي قامت عليها، دون تغول أو تطرف، وها هو العام الهجري الجديد يأتي، وقد زاد تماسك الأمة الإسلامية، وانتباهها لما يحيط بها من اخطار، وكيفية التعامل معها، وكيف يمكن مساعدة الأشقاء القاصي منهم والداني. تعاليمنا الإسلامية هي منهجنا وفق صحيح العقيدة، وفهم شامل وواسع من خلال علماء أفاضل، أناروا لنا الطريق بعلمهم. يأتي علينا عام هجري وقد فقدنا من الأحباب والأصدقاء والأقرباء أفراداً أعزاء عليناً، كانت لهم مساهماتهم الغراء في مختلف أمور حياتنا، رحم الله أرواحاً لا تعوض، ولا تولد مرة أخرى، اللهم اغفر لمن عشنا معهم، أجمل السنين، وهزنا إليهم الحنين. لا ينبغي أن تمر ذكرى العام الهجري الماضي مرور الكرام، ومن الضروري أن نتخذ منها العبرة والعظة لظروفنا وأحوالنا المعاصرة، فما أحوجنا اليوم إلى دروس وقيم الهجرة النبوية حتى تتجاوز الأمة الإسلامية الظروف الصعبة التي تعيشها الآن، وحتى يكتب الله لها النصر والتمكين والثبات. علينا دائما التوبة والرجوع إلى الحق وعدم اليأس من الوقوع في فعل الذنب لأن الاستمرار فيه أشد من الوقوع فيه، والتوبة هي أساس الرقابة الذاتية للإنسان على نفسه كما قال سيدنا عمر بن الخطاب في خطبته «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر، يوم تعرضون لا يخفى منكم خافية». وعلينا أن نعرف أن هناك ارتباطا وثيقا بين معنى الهجرة الشرعي وبين مقاصد التنمية الشاملة وأهدافها، فالرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن هاجر من مكة إلى المدينة بنى المسجد ليكون المنطلق للتربية الإسلامية ورعاية شئون المسلمين في جميع المجالات، ليعلمنا أن تربية النشء هي أساس المجتمع، ثم أسس المجتمع الإسلامي على أسس العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة والأخوة والحب في الله، ليعلمنا أن الشقاق لا مكان له بين المسلمين، وأن الدين هو المحبة والتسامح والأخوة، وهذا ما يسمى في الوقت المعاصر «الجبهة الداخلية»، ثم بعد ذلك أنشأ السوق الإسلامية ليحرر مال المسلمين من الخبائث والمعاملات الظالمة وهذا ما يطلق عليه في الاقتصاد «البنية الاقتصادية الأساسية» وحتى يؤكد للناس شمولية الإسلام فهو دين ودولة وعقيدة وشريعة وحب وجهاد وتضحية وقوة ونصر. وبهذه الروح الإيمانية، والنفس اليقظة نستقبل عامنا الهجري الجديد. وكلنا عزم على استدراك ما فات والعمل على إرضاء الله في جميع أحوالنا. وأسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستخلص العبر مما مضى من السنين. وأن يجعل هذا العام عام خير وبركة على بلادنا وبلاد المسلمين أجمعين إنه سميع مجيب وعساكم من عواده..* خبير الشئون الإعلامية والعلاقات العامة