د.خالد الحليبي

جرائر العنف التربوي

ليست مثقفة، كما صرحت لي، ولا حتى متعلمة تعليما متقدما، ولكنها واعية بالقدر الذي يسمح لي أن أقول: إنها نجحت في تشخيص داء، انشغل كثيرون بظواهره المرعبة، ولا ألومهم؛ فهي قضايا لا تتحمل التأجيل، كالنار إذا اندلعت في مكان، لكن تلك المرأة/الزوجة/الأم غاصت في المشكلة، والتفتت إلى السبب الأضخم، والمتواري هناك في أعماق النفس، من تراكمات الطفولة والمراهقة.(العنف) الذي يهدد استقرار العالم، سواء منه العاري من الأيدلوجيات، لكنه منغمس في الجريمة والانحلال، والرذيلة، واقتحام خصوصيات الناس والاعتداء على حقوقهم، أو ذاك الذي يقوم على الاستقطاب العقدي المنحرف، وتوظيف الطاقات الشبابية في أطره المتأججة.المتحدثة الهادرة بقوة الحرقة التي تكويها، وهي تعاني من (الزوج/الأب) الذي لا يعرف من وسائل التواصل مع أولاده إلا (الكف) و(الزعيق)، كما تحترق من أجل (ولد) هو ضحية هذا العنف الوالدي، حيث تمثل كل (حادثة تأديب) كما يزعم الأب، كارثة نفسية جديدة، تتراكم في داخل الولد المسكين، نعم المسكين؛ لأنه ابن لأب يجهل أبجديات البناء التربوي، لا .. بل يجهل الإنسانية في التعامل الأبوي.هي ترى أن الحل لمشكلة اندفاع الشباب إلى المجموعات القتالية المتطرفة في البلاد المشتعلة تبدأ من هناك، من التربية الأسرية للولد، وهو ما أميل إليه، مع علمي بوجود أسباب أخرى كذلك، ولكني أتحدث ـ هنا ـ عن تشكيل نفس الولد بقالب قابل للتوظيف الانفعالي الانتقامي، في الوقت الذي تضعف فيه وسائل التثقيف الشرعي، وتفشل بعض برامجه في اجتذابهم؛ لأنها لم تعرف كيف تصل إلى ذهن شاب انفتحت أمامه كل الوسائط الإعلامية، ويحتاج إلى أدوات جديدة للوصول إلى عقله وقلبه.الولد حين يعتدي ـ على طفولته وعلى رجولته في مرحلة المراهقة ـ والداه أو من يقوم مقامهما من ولي أو معلم، لا يستطيع ـ بطبيعة الحال ـ أن ينفس عن مكبوتاته لا داخل الأسرة أو المدرسة أو...، ولا خارجها غالبا، وهنا لا بد إذن من تراكم هذه المشاعر، وما كُبتَ في سنوات، ربما ينفجر فجأة.العنف في المدرسة، وفي البيت، وفي ...، لا يربي، حتى وإن استدعى الكبار قصصا لمن عُنِّفَ في طفولته ونجح في حياته في نظرهم، فقد لا يكون سوى نجاح باهت، لا قيمة له كبرى، وقد يكون قد تعرض لإعادة تأهيل فاعل من مؤثرات طرأت على حياته، في مؤسسة تربوية، أو مُربٍّ قدير، واستطاع أن يعيد تشكيل شخصيته من جديد. ومع ذلك، فسوف تبقى لتلك الاعتداءات ندوبٌ تشوه صورته الجديدة الجميلة.دعونا نحارب (العنف التربوي) في كل محاضن الجيل، ولن يكون ذلك حتى نُعنى بالمربي أكثر من المتربي نفسه، من خلال برامج التدريب على التربية المستقيمة السليمة، المبنية على الهدي النبوي الكريم، على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ومن خلال مخرجات الأبحاث التربوية العلمية الحديثة، التي أصبحت قادرة على تقعيد التربية، وتسهيل نقل خبراتها إلى المربين والمربيات.ليس العنف السياسي هو المنتظر الوحيد من العنف التربوي، ولكن إلى هذا العنف يعود تنامي حالات هروب الفتيات، الذي يخشى أن يتحول إلى ظاهرة أيضا، وجرائم الفتيات والنساء؛ فالحرمان العاطفي تسبب في دخول 86.8% من عينة بحث في سجون النساء، بينما القضايا المادية الأخرى 13.2%، ومؤخرا ما نُقل عن وزارة الصحة من زيادة معدل انتحار النساء خصوصا عن ذي قبل، بل ظهر ما يسمى استنساخ التجربة الإجرامية؛ حيث ثبت أن 95% من المعتدين على الأطفال تعرضوا هم أنفسهم للإساءة في طفولتهم، وأن 78% من السجناء تعرضوا للإساءة في طفولتهم، وأن 95% من العاهرات تعرضن للاعتداء الجنسي في طفولتهن، كما أن التعبير عن المزاج الانفعالي في أثناء الضرب يعطي الطفل أنموذجا سيئا للاقتداء به.وقل مثل ذلك: الإدمان وتعاطي المخدرات؛ حيث ثبت أن 80% من متعاطي المواد تعرضوا للإساءة في طفولتهم، وهروب الشباب وغيرهم من المنزل؛ فقد ثبت أن 80% من الفارين من منازلهم يشيرون إلى أن الإساءة عامل أساس في هروبهم...ولن تتسع هذه المقالة لكل جرائر العنف التربوي، ولكنها ستتسع إلى نداء أرجو أن يكون عنوان حملات توعية كبرى: لا للعنف التربوي.* مدير مركز التنمية الأسرية بالأحساء