د. عبدالله العبدالقادر

المواطن السعودي الكيان والمكان والميزان

حتى توضع الامور في نصابها ونكون مقنعين للآخر لا بد من آلية محكمة ليعرف فيها مقدار كل شيء ولأن الأمر في غاية الأهمية فقد تحدث عنه الذكر الحكيم فذكر المولى عز وجل الميزان وقال وقوله الحق (ألا تطغوا في الميزان وأقيمو الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان). وبعث الله نبيه شعيب عليه السلام في قوم أُهلِكوا بالصيحة (وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين) بسبب غشهم في الميزان، وآلية الميزان وقانون عمله أحد الركائز التي بنى المولى عز وجل الكون عليها وهي تعتمد على مقارنة شيء بشيء الاول مجهول والثاني معلوم فيعرف المجهول بمساواته بالمعلوم مما يؤدي الى العدالة التي بنيت عليها السماوات والارض وهي أشمل وأدل من المساواة وهذا أمر معلوم لا نرغب الخوض في تفاصيله؛ اذ ليس كل مساواة عدلا ولكن العدل يتضمن المساواة، وتوغلا في هذا المعنى فان استخدام هذه الالية الأزلية لتحقيق العدل يجب أن لا تغضب أحدا إلا من يحسبون كل صيحة عليهم العدو، ونحن في المملكة العربية السعودية جزأ من العالم وتحكمنا في المجمل القواتين العامة التي تحكمه وعندما نكتب لنحْكِمَ رأيا في شأن يخص بلادنا نميل الى تبسيط الأمور والعودة إلى حكم الميزان بمعلومه ومجهوله في ما تم إنجازه وما نطمح إليه دون تعقيد ممل أو اختزال مخل، والمعلوم هنا هو معدلات الانجاز العالمية في مختلف المجالات والمجهول هو الإنجاز المماثل لنفس المجال في المملكة مع اعتبار ما صرف هنا وهناك، والمطلوب إبلاغه هو تنبيه لمن يهمه الامر يشبه منبهات العنايات المركزة التي نوليها اهتماما كبيرا عند سماعها بل واستجابة فورية لانها تنبئ بتغير هام قد طرأ على أحد المؤشرات الهامة التي سيؤدي إهمالها بالتأكيد الى موت ذلك الانسان في حالة عدم التدخل السريع. والمؤشرات التي تنشرها الوكالات الدولية والمنظمات العالمية المعنية بالطاقة والصحة والتعليم والمواصلات ومؤشرات الفساد وغيرها هي في حقيقة الأمر أهم بكثير من مؤشراتنا التي نفزع لها في أقل من ثانية لانقاذ حياة مريض وهذا ليس بتقليل من أهميتها بل تعظيم من أمور مؤشرات الأداء الدولية للمملكة لان الامر ببساطة يعني مكانة الأمة السعودية بين الدول في زمن لا يرحم ويبقى فيها البقاء للأقوى والأجدر بل والأشرس في ميدان التعاملات الدولية. وبالرجوع لتلك المؤشرات واختصارا لوقت قارئي الكريم فان المحصلة تنبئ بلا أدنى شك بأننا أمة من أشد أمم الأرض استهلاكا لكل شيء من وقود وغذاء وكهرباء والأمر في تدن إذ اننا نحتل المرتبة التاسعة عالميا في استهلاك مصدر ثروتنا وهو النفط ونحن مرشحون للتقدم في القائمة، وفي الجانب الآخر فنحن من أقل أمم الأرض إنتاجية في كل شيء ما عدا البترول ولا منة لنا فيه والبتروكيميائيات وهي من الاشياء القليلة التي تحمد في هذا الاتجاه وبالرغم من لغة التفاؤل عند البعض الا ان البحث في ماهيات الامور ينبئك بأن حتى أهم الصناعات السعودية تحتاج الى مواد خام مستوردة حتى الحديد الذي تقوم عليه البنى التحتية لمنشآتنا والتواجد في أسفل القوائم الدولية مؤلم ولكن الأكثر ألما هو عدم الوجود نهائيا في تلك القوائم مثل قائمة الدول المصنعة للسيارات والطائرات والمصانع. اما المجال الصحي فبارك الله في الثروة التي تغطي العورات وتواري العثرات فانه لا وجود يذكر لنا في قوائم التصنيع الصحي المتقدم ونحن في خير كثير لارتفاع ميزانيات التشغيل الصحي لكن أي وعكة اقتصادية لا قدر الله ستحيل مستشفياتنا او الكثير منها الى اقسام معطلة من عوامل التكنولوجيا التي تعتمد حاليا على الشراء بالمال ولقد سبق وان نبهت لخطورة هذا التوجه الاستهلاكي القاتل ونحن في زمن سلم وأمن فهل من مدّكِر. وفي جانب التعليم العالي لا نجد لجامعاتنا مكانا في المائة والخمسين جامعة الاولى في العالم عدا طفرات لا تتصف بالثباتية بل ان طفرة لجامعة الملك سعود كان ثمنها اقصاء مدير تلك الجامعة وبطريقة لا يتمناها أحد والله المستعان وأتمنى أن أجد فألا إلا أن التوجه العام للجامعات كما أراه لا ينبئ برغبة مستقبلية لتميز عالمي وأرجو من الله العلي القدير أن ينبري أحد مدراء الجامعات ليفرحني بغير هذا،أما التعليم ما تحت الجامعي فليس الميزان بقريب من اتزان بل هاوية بعيده في ذيل التصنيف العالمي (٤٣ من بين ٤٥ دولة في الرياضيات على سبيل المثال) ورغم علم صناع القرار التعليمي بهذا قبل عدة سنوات الا ان أمر التعليم الذي لا نهوض للأمم بدونه يبدو ثانويا لديهم.. وتشير دراسات حديثة إلى أن التقدم العلمي وتوطين التكنولوجيا ليس من أولويات الأقطار العربية والأفريقية ونحن من ضمنهم وفي هذا السياق أورد العالِم أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء (1999م) أن ما يصرف على البحث العلمي في أفريقيا والعالم العربي لا تزيد نسبته عن 1% من إجمالي الإنفاق السنوي العام مقارنة بالكيان الإسرائيلي (4,7%) لتقفز إلى المركز الأول بينما ينخفض إلى (2,8%) في دول جنوب شرق آسيا و(3,5%) في اليابان و(3,6%) في فنلندا و(4,2%) في السويد.. والسؤال الذي يفرض نفسه دائما هو لماذا تكون حسبتنا مع باقي الدول العربية والأفريقية التي يعتريها ما يعتريها من ضعف اقتصاد واضطراب احوال الحياة وواقع الحال يؤكد اننا كعقول سعودية في ظل ثروة وأمن وامان يمكن لنا ان نخلق طفرة حقيقية تقارب كفة ميزاننا بالأقوى عالميا، ويبقى المواطن السعودي ذو الكيان في هذا المكان راجيا لربه بأن يتوجه الميزان الى حالة اتزان يتزين بها بين شعوب الأرض في حق من حقوقه لا يريد أن يسلب منه ومن أجياله القادمة ولله الأمر من قبل ومن بعد.