هيلدا اسماعيل

طيران.. بلا أجنحة

«لا أريد أن أصبح طبيبة أنا أخاف من الدماء، حلمي أن أصبح مضيفة طيران»، كان هذا هو الجواب البريء الذي صعقت به جدّي إبراهيم رحمة الله عليه حين سألني مبتسماً ومربتاً على رأسي عن حلمي حينما أكبر، وكان ذلك في سن التاسعة تقريباً، تلك السن التي تمنيتُ فيها أن أتناول الافطار الانجليزي في لندن، بينما أستمتع في ذات اليوم بالتهام الآيسكريم في أحد مقاهي ايطاليا. تبخّر حلمي حينها تماماً ومنذ أن سحب جدّي يده من أعلى رأسي، وبعد أن رأيت وجهه الحبيب قد تحوّل إلى عدة ألوان تميل إلى اللون الأحمر، تعبيراً عن مدى الخيبة التي أبلغ بها والدي والتي تلقاها من ابنته الكبرى. قصصتُ هذه الحكاية قبل سنوات لإحدى المضيفات التي جلستُ بالقرب من مقعدها فيما تبادلنا النكات والتجارب والحديث عن معاناتها مع الشركة التي تعمل بها والتي تتدخل في أدق تفاصيل حياتها. وهذا ما دعاني ربما للبحث عن شروط التوظيف لشركات طيران أخرى والتي تحرص على إعداد المضيفات من خلال دورات تدريبية توضح متطلبات السلامة والتعامل مع الطوارئ، وكذلك الممنوع والمرغوب وأساسيات وضع الماكياج من ماركة محددة وخاصة كريم الأساس، طريقة اللبس الموحّد، ربط الوشاح، القبعة، وكيفية العناية بالأظافر والشعر، كما تفرض بعض الشركات مثلاً ضرورة ارتداء أقراط من الذهب الأبيض أو الألماس ومنع الفضيات وغيرها، كما يقوم البعض الآخر بفصل الموظفة في حالة الحمل.في الآونة الأخيرة تابعت شكاوى حول رغبة بعض مضيفات شركات طيران عربية ارتداء الحجاب مثلاً، حيث إن قوانين بلادهن ترفض السماح للمضيفات بارتداء الحجاب اثناء عملهن ولكنهن يرتدينه بأمر من السلطات فى حالة هبوط الطائرات فى السعودية، كذلك تابعت رفع قضايا لجمعيات حقوق الانسان العالمية كما حدث من احدى شركات الطيران الآسيوي التي ألزمت مضيفاتها بارتداء زي فاضح يظهر أعلى أفخاذهن لجذب المسافرين.تحدث مثل هذه الشكاوى ربما لتزايد حالات المضايقات وتنوّعها التي يتعرّضن لها أثناء العمل حسب استطلاع للرأي أجرته «مفوضية تساوي الفرص» بمدينة هونغ كونغ الصينية حول الاعتقاد الشائع بأن المضيفات الجويات هنّ هدف لملاطفة غير مرغوب بها. وقد أشار الاستطلاع إلى «نتائج» دعتني إلى التفاؤل بتجنيب مضيفات الخطوط الجوية السعودية لهذه المضايقات خاصة بعد تغيير الزي الموّحد للشركة مؤخراً، كما دعتني النتائج إلى التعاطف من جديد مع هذه المهنة رغم إجهاضي لحلمي المتعسّر قبل ولادته. والذي بالطبع لم أحتفظ بشيء منه إلا فيما يتعلق بشغفي بعوالم السفر وعشقي للموائد المتنوعة والمقاهي والمتاحف، والرغبة في الطيران بلا أجنجة.