عبد الله المديفر

تعرف على سيرتي الذاتية..

أحد الطلبات التي تتكرر معاناتي معها هي طلب "السيرة الذاتية" وجريدة اليوم- التي أفخر بالكتابة فيها- ليست آخر الجهات التي طلبت مني تزويدها بالسيرة الذاتية لتضعها إلى جانب سير كتاب الرأي في موقعها الالكتروني، وغالباً ما أفلح في التهرب من هذا البروتكول الذي يتكرر أيضاً في كل ملتقى أو مؤتمر أشارك فيه، وردة فعلي السلبية من السير الذاتية تعود إلى تعاملنا السلبي معها كتابة وقراءة.أذكر ذات مرة أني سألت احدى الشخصيات المعروفة عن جهة يعمل معها بحسب ما قرأت في السيرة الذاتية الخاصة به، فقال لي: (حقيقة ليس لي معهم عمل حقيقي.. بس وجودها حلو في الـ cv حقي)!!، فصاحبنا المعروف يحاول أن يكسب نقاط إعجاب إضافية لعمل غير حقيقي من جمهور قراء السير الذاتية، وآخر قابلته وطلب مساعدتي في فرصة وظيفية معينة وعند قراءتي لسيرته الوظيفية انبهرت من عدد الشركات والجهات المهمة التي عمل معها، ولفت نظري أن أطول فترة قضاها لا تصل لسنتين، فسألته عن هذا الأمر فأخبرني وبكل شفافية قائلاً: (أنا أمتلك مجموعة تجارب فاشلة في شركات ناجحة)، ومن خلال الحوار تبين لي أن الناس لا يترددون في التعامل معه لأنه عمل في هذه الجهات مجتمعة بعيداً عن الكفاءة الحقيقية وقصص تجاربه الفاشلة.بعض السير الذاتية تعتبر موسوعة استعراضية للمؤتمرات والفعاليات التي حضرها الشخص بغض النظر عن الفائدة الحقيقية التي جناها من هذا الحضور، وكثيرون يهمهم شهادة الحضور أكثر من محتوى الحضور، وليس سراً أن كثيراً من هذه المؤتمرات تكون الفائدة الكبرى من الحوارات والنقاشات الجانبية على هامش الفعالية، وفي آخر مرة حضرت فيها مؤتمراً كانت فائدتي الكبرى من حوار طويل مع شخص اختلفت معه ولكنه أثراني جداً.السيرة الذاتية الحقيقية هي أقل من سطر، ولن نستطيع الوصول لهذا النوع من الكتابة ما لم نفكر بالميزة النسبية التي يحملها هذا الرجل أو تلك المرأة، فعندما أتحدث عن سيرة عبدالله الربيعة مثلاً يكفي أن أقول جراح بارع في فصل التوائم السياميين، وجوهر السير الذاتية تستطيع اختصاره بكلمتين من وزن: شاعر مبدع- وزير ذكي- كاتب مأجور- سائق متهور- تاجر مغامر.. الخ، فالكلمة الأولى تذهب للتخصص الذي اتجه له صاحب السيرة، والكلمة الثانية للميزة أو العيب التي يتمتع بها، والباقي هي معلومات قد تكون مهمة وقد لا تكون مهمة وكلها في النهاية على هامش الجوهر.السيرة الذاتية الحقيقية لا تكتب بسهولة، ومشكلتنا تكمن في القارئ أكثر منها في كاتب السيرة، ولا ندرك أن التواجد في مكان كفء ليس دليلاً كافياً على الكفاءة، ويسهل خداعنا بالسير الطويلة التي تعمي أعيننا عن أهم سطر في السيرة الذاتية.السيرة الذاتية في حقيقتها هي تخصص وميزة..