عبد الله المديفر

ابن المدير ظلمني

طلب منّا مدرس مادة التعبير كتابة موضوع عن «العدل» ، وأذكر أني كتبت مادة طويلة ملخصها: (يجب على القاضي أن يعدل بين الخصوم)، وبعدها بأيام تعرض ابن مدير المدرسة للاعتداء وقامت حينها حملة تفتيشية على الفصول للبحث عن الجاني الذي تجرأ على «ابن المدير»، وكان أحد المدرسين الشرسين الذي يتأبط عصا غليظة هو من يرافق ابن المدير للتعرف على المعتدي، وكانت المفاجأة عندما مر الاثنان بجواري فقام هذا الابن بالإشارة إلي قائلاً: هذا هو من ضربني!، وقام المدرس بإنزال العقوبة القاسية على الفور، ولم يلتفت إلى محاولات دفاعي وأيماني المكررة والطلب بالشهود واتهامي له بالكذب، فهذا هو ابن المدير في النهاية، ومع دموعي في ذلك اليوم تعلمت معنى «الظلم» الذي فشل أستاذ التعبير في تعليمي إياه.عندما يمر مصطلح «الظلم» تذهب عقولنا إلى ساحات المحاكم، ونغفل عن أن الظلم ليس فعلاً حصرياً لقاض أو حاكم، فنحن جميعاً مرشحون دائماً للوقوع في الظلم، واستبعادنا من دائرة الظلم يجعلنا مرشحين فوق العادة للوقوع في فخاخ التعدي والتجاوز.ثقافة الظلم تجعلنا نغفل عنه، ولا نخاف من غياب شمس العدالة في حياتنا، وتكون ذاكرتنا ومشاعرنا انتقائية حياله، فننسى بشاعة الظلم عندما نَظْلِم، ونتذكره عندما نُظْلَم!!.الكارثة تقع عندما نحاول شرعنة الظلم في ثقافتنا وتصرفاتنا، فنسمي الظلم بغير مسمياته إذا اتفق مع مصالحنا، وكما يقول برناردشو: (الظلم الذي نستفيد منه يسمى خطأً)!!، والفرنسيون عبروا عن ذلك بالمثل الذي يقول: (ما يريده الزعيم يريده القانون)، وتصنيف الظلم على أنه أحد صور العدل لمبررات تخدمنا هو ظلم مضاعف، عندما ترى الفرص لا تولد متكافئة فاعلم أن الظلم قد انتهك شرف العدالة، وإذا وجدت صاحب الحق يحافظ على حقه بالباطل فاعلم أن أهل الباطل قد سكنوا بيوت غيرهم، وعند تأملك للأماكن الأكثر عدلاً في العالم لن تجد أن الناس هناك أكثر عدلاً، ولكنه النظام العادل والثقافة التي تناهض الظلم.ينتشر الظلم كثيراً بيننا لأننا نجعله مشروعاً في حالات العداء، والعداوة في ثقافة الكثيرين مبرر منطقي للظلم، وإطلاق الأحكام جزافاً على من لا نحب مثال حي لسهولة ولادة الظلم في نفوسنا، وتحت ستار التعميم يجوز لنا أن نطلق الأوصاف الظالمة كما نريد، وربنا الحكيم الخبير يقول في كتابه: (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى).حاول أن تسأل نفسك: من يا ترى قد يكلم الله يوم القيامة وهو يقصدني بهذه العبارة ( يارب عبدك فلان ظلمني)، وتذكر مقولة يزيد بن حكيم: (ما هبت أحداً قط هيبتي رجلاً ظلمته وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله يقول لي: حسبي الله هو بيني وبينك).اللهم باعد بيننا وبين الظلم.