مصطفى الحسن

«احكي فلسطيني».. ولا تردد رواية العدو

أكتب هذا المقال الآن بينما الأخبار العاجلة لا تتوقف عن ارتفاع عدد الشهداء والجرحى في غزة، وعن هجوم بشع على حي الشجاعية، وعن ارتفاع عدد القتلى في صفوف العدو الإسرائيلي، ولا يزال الفلسطينيون يحتفلون بأسر الجندي الإسرائيلي شاؤول ارون، وهناك أحاديث سياسية حول تعديلات على المبادرة المصرية - إن صحت التسمية -، ولا أدري حين ينشر المقال إلى أي مدى ستصل الأخبار؟!الجديد في هذا العدوان الإسرائيلي على غزة، أن المقاومة أثبتت أنها في كل حرب تُفرض عليها تكون أقوى من السابق، فمن العدوان على غزة سنة ٢٠٠٩ إلى العدوان الثاني سنة ٢٠١٢ إلى العدوان اليوم، استطاعت كتائب القسام أن تطور قدراتها بشكل كبير، من صواريخ طويلة المدى وطائرات دون طيار وأنفاق وقدرة على الأسر وصد العدوان البري، رغم أن التكافؤ لا يزال غير وارد وليس هذا مجال حديثنا، وإنما هي المقارنة بين قدرات المقاومة سابقا وحاليا، مما يشير بوضوح أن المقاومة لا تتراجع بل تتقدم، وهو انعكاس صريح لقوة الإرادة التي يمتلكها هذا الشعب، وقدرة على التقدم رغم التفاوت الهائل بين القدرة العسكرية لأحد أقوى الجيوش في العالم، وقدرة شعب محاصر مخذول من جيرانه ويصرّ على المقاومة. وإسرائيل تدرك تماما خطورة هذا التطور النوعي، وتدرك أن المستقبل ليس مطمئنا بالنسبة لها.الجديد الآخر، هو تراجع التأييد العربي للمقاومة على المستوى الرسمي، وبروز كتاب عرب يروجون للدعاية والرواية الإسرائيلية حول هذا العدوان، بشكل لم يكن ظاهرا في السابق، ولا تزال الشعوب العربية تؤيد المقاومة وترفض سياسة الاستسلام ولو كانت باسم السلام، لكن للحالة السياسية التي نمر بها أحكامها، فعلى سبيل المثال كم هو الفرق هائل بين مشهد صعود الشاب المصري للسفارة الإسرائيلية بعد ثورة ٢٥ يناير وإنزال العلم الإسرائيلي، حين كنا نشاهد ذلك على الهواء عبر الفضائيات، في تجمع غفير للمصريين، وحماسة وفرحة عفوية، وبين البعض من الإعلاميين يوصف حديثهم بأنه الأكثر فجاجة في الترويج للدعاية الإسرائيلية هذه الأيام، هذه المفارقة تلخص كثيرا من أثر التغييرات السياسية على المشهد العام الذي نعيش فيه، والذي يؤثر بشكل مباشر على فعالية المقاومة في الداخل.يغضب كثير من الكتاب الذين يروجون للدعاية الإسرائيلية من وصفهم بالمتصهينين العرب، وأستطيع أن أتفهم الغضب العربي والإسلامي من كل من يصف من يروج لرواية العدو ووصفه بالمتصهين.تقوم أساس الدعاية الإسرائيلية على أن حماس هي التي بدأت بالاعتداء، وأن من حقها أن تدافع عن نفسها، حيث بدأت القصة بخطف ثلاثة مستوطنين، لم تعترف حماس بخطفهم، ونحن نعرف أن حماس حين تقوم بعملية تتبنى ذلك بشجاعة ومسؤولية عالية، وليس لدى إسرائيل أي دليل على أن حماس هي الفاعلة، لكن إسرائيل تعتقد أن من حقها أن تدين دون دليل، وأن تعاقب متى تشاء، وبالشكل الذي تشاء، وأن تختار عدد المُعاقَبين، فاختارت غزة كالعادة، وبعد تصعيد ومناوشات بدأت إسرائيل حربها على غزة، ولا تزال هي ومن يروي روايتها يتهم حماس بأنها استفزت إسرائيل.روايةُ استفزاز إسرائيل روايةٌ مبتورة، تنسى كل ما قام ويقوم به الكيان الإسرائيلي من حصار وخنق وقطع شرايين الحياة واستفزاز يومي وإهانة لكرامة الفلسطينيين وتمدد في مشاريع الاحتلال في كامل فلسطين، إنها رواية تشعرك أنها حرب بين دولتين متجاورتين وعلى الفلسطينيين أن يتحلوا بحسن الجوار، وتنسى حقيقة أن العلاقة هي علاقة شعب أعزل مع عدو ظالم محتل. إنها ليست حربا بين (شعبين)، هكذا دون توصيف، بل حرب بين مستعمر ظالم وشعب أعزل مظلوم.لا تقف الرواية عند هذا الحد، بل تمتد لتقول إن حماس حركة لها أيديولوجيتها، ولذلك يجب أن نتحفظ على تأييدها، ثم يتم تصوير حماس بأنها حركة فرضت نفسها على الشعب واختطفت قراره، بل اختطفته بالكامل، حتى تنتكس المعادلة تماما لتصبح إسرائيل هي التي تحرر غزة من حركة حماس المؤدلجة.حماس ليست دولة وإنما حركة مقاومة، وحركات المقاومة في العادة تحمل أيديولوجيا تدفعها للدفاع عن أرضها، ومن الذي لا يحمل أيديولوجيا، إن من يدعي أنه ليس كذلك، إنما هو يخفي أفكاره على الناس ويخدعهم بوصفه الحالة الطبيعية للأفكار، وليس هذا مجال حديثنا هنا. الخلاصة أنك إذا أردت أن تدافع عن حركة مقاومة لا تحمل أيديولوجيتها الخاصة فعليك أن تريح نفسك وأن تدين كل حركات المقاومة عبر التاريخ، وأن تقبل بالاحتلال والاستعمار.حماس وجميع فصائل المقاومة جزء من الشعب الفلسطيني، جزء من تكوينه وتركيبته، هي إنتاجه وهي منه وإليه، محاولة الفصل هذه هي رواية العدو المحتل؛ ليظهر أمام العالم بمظهر المخلص والمستعمر الإنساني، لا تستطيع جيوش الاحتلال أن تدعي أنها جاءت تستأصل الشعب بأكمله، وإنما تدعي أنها تحارب فئة متطرفة، تريد فرض نفسها على الشعب، وقد اختطفته لفترات طويلة، هذا التكتيك الاحتلالي ليس غريبا، لكن الغريب أن يردده أبناء عمومتك، وحين لا تفلح هذه الرواية ستستمع روايات أخرى عن توظيف دول خارجية لحركات المقاومة.من حق أي أحد أن ينتقد المقاومة، في أفكارها وأسلوبها واستراتيجيتها، لكن هناك نقدا بمنطق المظلوم، بمنطقنا نحن العرب المسلمين، الذين وقع علينا العدوان، وهناك نقد بمنطق الظالم المعتدي، منطق الرواية الصهيونية.