عبدالله المديفر

اليابان تفوز في كأس العالم

في حمى منافسات كأس العالم التي تقام حالياً في البرازيل أكبر دول أمريكا اللاتينية لقن الجمهور الياباني العالم صفعة حضارية تناقلتها وسائل الإعلام العالمية ومواقع التواصل بإعجاب كبير عندما قامت مجموعة منهم بتنظيف المدرجات المخصصة لهم بملعب بيرنامبوكو في مدينة ريسيفي عقب انتهاء مباراة منتخبهم مع المنتخب الأفريقي ساحل العاج. وكانت الصور مبهرة ومؤثرة، حيث إن هؤلاء المشجعين قاموا بهذا التنظيف بعفوية واضحة وليست كجزء استعراضي على طريقة (صورني وكني مادريت).المنتخب الياباني خسر في هذه المباراة، لكنه توّج ببطولة "التحضر" ، وسجل هدف احترام العالم في مرمى الرقي. والعادة أن نرى الفريق الخاسر يرمي العلب الفارغة، وقد يحطم المقاعد، وقد يصل الأمر إلى حالة متقدمة من الشغب على الطريقة الإنجليزية، إلا أن اليابانيين كسروا القاعدة، ليسجلوا الاستثناء الأجمل في مدرجات الاحترام ما جعل مواقع يورو سبورت العالمية - بكافة لغاتها - تعلق على هذا المشهد البديع بعنوان: ( هذه أخلاق الخاسر ).إن هذا السلوك الذي قام به المشجعون اليابانيون هو نتيجة ثقافة "احترام المرافق العامة" ومن أبجدياتها عدم ترك المكان أسوأ من حاله التي قدمت إليه فيها. وفشلنا في السلوكيات العامة - التي لا يكتفى بعدم المحافظة على المرافق العامة، بل تصل إلى التعدي عليها والاستمتاع بتشويهها - نتيجة فشل زرع ثقافة "احترام المرافق العامة"، وحال طاولات الطلاب في مدارس التعليم خير دليل على الفشل الذريع في غرس هذه القيمة العظيمة في نفوس الناشئة. فإذا كانت المؤسسة التربوية لا تستطيع إقناع الطالب بأن يحافظ على نظافة وسلامة الطاولة التي ترافقه يومياً بالساعات، فلا تتوقع إنجازات كبيرة في الخارج.إذا أردنا الوصول لعمق الخلل فسنجد أن مظاهر عدم احترام المرافق العامة هي نتيجة طبيعية لأمراض الأنانية وعدم الشعور بالمسؤولية وعدم احترام المشترك.  فالمنظومة الاجتماعية - بكافة فروعها - تزرع "الأنا السلبية" في وجدان الإنسان، وتعزز شعور الأنانية التي تبرمجه على نظام: (أنا ومن بعدي إلى الجحيم)  وهذه المنظومة الاجتماعية مخرجاتها الحالية تصنع فرداً لا يشعر بالمسؤولية العامة ولا يأبه بها، ويسعى فقط إلى المنجزات الخاصة دون احترام للمشترك. والفرد - في عموم مجتمعاتنا العربية - لا يحس بالملكية العامة للمرافق العامة، ويعتبرها أملاكا حكومية خاصة. وقد يعبر عن غضبه من حكومته بالإساءة للممتلكات العامة التي لا ينتمي إليها في وجدانه اللاواعي، وضعف ثقافة احترام الممتلكات العامة تعبير عن فشل الحكومات في تنمية الشعور بالملكية العامة للمرافق المشتركة.اليابانيون طبقوا - بسلوكهم - مفهوم الثقافة الإسلامية التي تقول: (إماطة الأذى عن الطريق صدقة) وهذه الثقافة الإسلامية تتعدى مفهوم الملكية العامة لتكون أسلوب حياة في كل مكان، والصحف البرازيلية صاغت إعجابها بهذا المعنى عندما كتبت: (قطعوا آلاف الأميال لجمع القمامة في بلد غريب).