حوار: هاني الحجي

ميسون أبو بكر: في المملكة قامات شعرية و«الثقافية» خطوة هامة في فضاء الإعلام العربي

هي شاعرة واعلامية اشتهرت ببرامج عدة قدمتها في تليفزيون المملكة (الاخبارية - الاولى - الثقافية)، فلسطينية الاصل ولدت بالكويت وتحمل الجنسية الأردنية، وتقيم وتعمل في المملكة. شاركت في العديد من المهرجانات والمناسبات الثقافية والشعرية، واستضافت في برامجها الكثير من المثقفين والمبدعين.. تجربتها الاعلامية في المملكة تعدت عشر سنوات.. صدر لها اكثر من ثلاثة دواوين شعرية، ولها رواية تحت الطبع.. إنها الاعلامية والشاعرة ميسون ابو بكر، التي استضافها "الجسر الثقافي في هذا الحوار:هوية عربية  كويتية المولد، فلسطينية الأصل، أردنية الجنسية، سعودية الإقامة. كيف شكل هذا المزيج ثقافتك وهويتك؟- أن تكون عربيا بامتياز من خلال الجنسية ثم مسقط الرأس ثم البلد الذي استوطن الروح وسكنه الجسد وهفا إليه الفؤاد، ثم من خلال مشروع حياة ورسالة ثقافة ومسيرة إعلام كان فضاؤها العالم، كل هذه المكونات والانتماءات تمنح هوية عربية بامتياز، قد تتعدى إطار حدود وهمية صنعت في عصور الجهل والاحتلال. والثقافة الحقيقية هي التي تشكلها فسيفساء ملونة من القراءة والاطلاع والعمل والأناقة والصدق والمعاملة والتجربة والإنجاز، ناهيك عن خلفية عائلتي الثقافية الإعلامية، وحضور أفرادها على خارطة العالم الذي لا تحتاج فيه الكلمة تأشيرة دخول أو جواز سفر.الإعلام الثقافي   صدرت لك ثلاث مجموعات شعرية، فكيف استطاعت ميسون المبدعة أن تخلص ميسون الشاعرة من أن تغرق في بحر الإعلام؟ كيف استطاعت ونجحت أن تقطف أزاهير الشعر من تسونامي الإعلام؟ وكيف نجحت في إصدار ثلاثة دواوين وسط هذه الضوضاء؟- أعجبني مصطلح "تسونامي الإعلام"، الذي ينطبق على هذه الحرفة التي لا تعرف التوقف ولا المستحيل، فالإعلام هاجس إن سكن شخصا ما فإنه يقوده الى المهنية والحرفية والمسؤولية إن كان ابنه الشرعي، وتلميذه النجيب وسفير مهنته، لا من أولئك المحسوبين زورا وبهتانا عليه. ولكن الشعر وهو الثقافة الأولى والبكر، منه انطلقت إلى الإعلام الثقافي الذي تاق إلى امرأة لا يقتصر حضورها الثقافي على برامج الأسرة والطفل والطبخ والتجميل، فأردت أن أحتفي بمشهد ثقافي غني بالشعراء والأدباء وأحفاد الأعشى وقيس والخنساء، وكل من يستحق إبداعهم، وهذا الوطن غني بهم. صحيح انه لدي أوراق جاهزة لتكون الديوان السادس، وأخرى رواية تعسر ميلادها للانشغال بالعمل الإعلامي، لكن لا بأس، فالشعر والإعلام خطان متوازيان. كيف تقرئين السلعة الشعرية في المملكة العربية السعودية؟ ومن هم أكثر الشعراء الذين تواصلتِ معهم أو كان لهم تأثير على تجربتك الشعرية؟- الشعر نعمة، موسيقى، هبة المولى، إيقاع الحياة، نشيد الحلم، الشعر عالم بديل عما يحيط بنا من دمار، الشعر بيتي الذي جدرانه الحب، سقفه حلم، حدائقه الورد والياسمين ونوافذه الشمس، بالشعر أكمد حزني ويأسي، به أستحضر الذاهبين للغياب، وأقرأ الأحبة الشعراء، في المملكة قامات شعرية شامخة سواء طالت تجربتها أو كانت جديدة العهد، ومنها: محمد جبر الحربي، محمد العلي، أشجان هندي، اعتدال ذكرالله، محمد يعقوب و(رحمه الله) المبدع محمد الثبيتي، وغازي القصيبي. عرش الأدب هل هجرت المرأة الشعر إلى الرواية كما يقال؟ ألم تغركِ مفاتن الرواية للدخول إلى عالم السرد؟- الشعراء رجالا ونساء توجهوا للرواية التي تولت عرش الأدب في القرن العشرين، أغرتهم مساحة البوح، شعرية السرد، المتابع القارئ، سباقات الجوائز والشهرة، لكنهم سرعان ما عادوا لحضن القصيدة التي منحتهم هوية غير مزورة. وعندي مجموعة قصصية من سبعة أعوام (بشائر الخريف)، والرواية تستحلفني أمي كثيراً بالتروي في نشرها.عالمي السريّ   لك علاقة بالفروسية وركوب الخيل، ولك علاقة بالحصان، فأين حضوره في قصائدك؟- الخيل عالمي السريّ، حكايتي العذبة مع هذا الكائن العجيب، الذي إن اقتربت منه منحك الصداقة والحنو والحب. والخيل ابن البيئة العربية ورمز أصالتها، إضافة الى انه رياضة جميلة وتربية نبوية، وإن حضر البحر يحضر الخيل كالموج الثائر، وان حضرت الصحراء يحضر في تفاصيلها. ولي الكثير من القصائد يحضر فيها الخيل والصهيل.مسيرتي الإعلامية   متى بدأ مشوارك الإعلامي؟ وهل نجحت المرأة من خلال تجربتك في تقديم البرامج الثقافية؟- الحكمة التي تعلمتها وأنا ابنة السابعة من العمر، حفرت كثيراً في قاموسي "من جد وجد، ومن زرع حصد، ومن سار على الدرب وصل". ولطالما كان أساتذتي في الحياة بشرا وأساطير، وتعلمت حكمة لم أتخلّ عنها أبدا في مسيرتي الإعلامية، وهي من عبارات الحكمة للروائي البرازيلي باولو كويلو "إن أردت تحقيق رغبة ما، فالعالم كله سيساعدك في تحقيق رغباتك". وهناك على الأرض من يستحق الحياة، وعلى الحياة أن تحتفي بإنجازه، وقد بدأت عملي الإعلامي التليفزيوني في قناة الإخبارية السعودية منذ أكثر من عشر سنوات، ثم إلى القناة الأولى التي قدمت بها أشهر البرامج "ستون دقيقة" و"مرافئ"، ومن ثم للقناة الثقافية التي أخذت مني الكثير، وشرفت بالعمل بها كمنصة سعودية إعلامية ثقافية، رسخت حكمة سيدي خادم الحرمين، ثم كان سندها وزيرا شاعرا مثقفا إنسانا. ولم يخل المشوار من العقبات التي كان أكبرها أنها قناة مبتدئة تحتاج لطاقات وإمكانات أكثر، ثم ما كان فقاعات سرعان ما ذهبت لتثبت مقولة: لا يصح إلا الصحيح. ولطالما كنت الابنة الوفية للمملكة، وشعرت في مشواري بمذاق الوطنية الصادقة والانتماء والهوية الحقيقية التي حصلت عليها من خلال ما سبق. وتشجيع زوجي المثقف فهد، ابن نجد، على المضي والعطاء، دافع يجعلني أتوق معه لتذوق حلاوة النجاح والانتماء لوطن هو الكون، ولرجل هو ابن المملكة ووريث مجدها. التفرغ للكتابة ركضت ميسون في مضمار المشهد الثقافي، وحضرت أغلب المهرجانات والمنتديات.. ألم ينهكك هذا الركض؟ أو تفكري في الاستراحة؟- أنت تنجز لتعيش، قوتي الثقافة والمعرفة، والثقافة لا تشيخ، والمثقف لا يموت وإن غادر جسده، ألم يقل جان كوكتو: "لا تبكوا هكذا بل تظاهروا بالبكاء، فالشعراء لا يموتون، بل يتظاهرون بالموت فقط". فكيف لك أن لا تحتفي بمثقف حاضر أو غائب؟! وكيف لك أن تقول: أريد أن أتوقف؟،حتى في أوقات إجازتي أمارس حرفتي، فأنا سفيرتها. ربما يوما ما سأقرر التفرغ للكتابة، لكن لست أدري متى.هؤلاء أثروا في   من خلال هذه الجولات التي قمت بها، والمواقف التي لا تزال عالقة في الذاكرة، من الشخصيات التي أثرت عليك من الساحة الأدبية ومن خارجها؟- أثر بي رائد السياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان، بكل ما نذر العمر للتراث والآثار. ومحمود درويش، الحاضر أبدا، إدوارد سعيد المفكر والباحث والناقد والمبدع، د. مازن غانم، طبيب القلب الأمريكي العربي الأصول، وأمي بكل ما حملتنا من مسؤولية ومفهوم للمرأة التي كانت هي المرأة التي تؤدي رسالة في الحياة وأن أكون المثقفة وليس الأنثى. برنامج "مرافئ"  يلاحظ أن أسماء برامجك مشتقة من البحر: مرافئ وأشرعة.. لماذا؟ وما هي علاقتك بالبحر؟- بعد عشق للبحر ومجالسته ومنادمته، وبعد شوق حين أبحث عنه في المدن التي أزورها، وجدته صديقا للشعراء يرتوي الحرف به وتبحر القصيدة، ولا أنسى أبدا الشاعر الجميل د . عبدالعزيز خوجة، حين كان يسأل عن برنامج "مرافئ"، الذي يأخذ المشاهد لضفاف القصيدة. والبحر صديقي الذي أودعته قلبي ذات رحلة، في موجه ألف حكاية وحكاية، ولطالما اختليت به لساعات طوال، أحكي فيسمعني ويذهب بهمومي للبعيد، تاركا رئتي تمتلئان به. ريح مسافرة أنت تعيشين في مدينة صحراوية، ولم نلمس حضور الرمل والصحراء كما حضر البحر في شعرك، ما تعليقك؟- القصيدة لدى ميسون أبو بكر هي ريح مسافرة إلى السرمدي.. الصحراء بكل عناصرها ومكوناتها، أنا ابنة البادية عبر سميتي "ميسون بنت بجدل"، الذي تركت معاوية وآثرت بيت تخفق الأرياح فيه. إن تتبعت ديواني "نوارس بلون البحر"، تجد الريح والصحراء والخيل ونجد، وهذه دعوة لقراءة قصائدي مرة أخرى لتتتبّع البيئة التي اعشق. القناة الثقافية حدثينا عن تجربتك مع القناة الثقافية، وهل لبت طموح المثقفين؟- القناة الثقافية خطوة رائعة في فضاء الإعلام العربي، وهي نافذة للمثقفين ولمجتمعاتهم، تحتفي بهم وبالمشهد الثقافي المحلي والعربي والعالمي، هي مشروع كبير تحتاج مشاركة ودعما أكثر من المثقف الذي لا بد أن يكون شريكا في صناعة العمل الإعلامي الثقافي، سواء بالإعداد أو التقديم أو التدريب والاستشارة. وحين انتقلت من القناة الأولى للثقافية كانت مغامرة كبيرة، للتفكير بالانتقال من قناة عمرها عشرات السنوات إلى قناة ما زالت تخطو خطواتها الأولى، ولم أفكر أبدا في البداية إلى الانتقال للقناة، حتى جاءت أصوات كثيرة تشجعني وتطلب مني الالتحاق. لكن ورغم كل ما مررت به الآن، افتخر بجهد كل من فيها. أخلص للثقافة  تلك الأسماء.. بعضها كانوا ضيوفا معك.. ما رأيك بها في كلمات: د. عبدالعزيز خوجة، د.عبدالعزيز السبيل، د.عبدالعزيز المقالح، جميلة بوحريد، حياة سندي. - د. عبدالعزيز خوجة: شاعر ملأه الشعر، أخلص للثقافة وأنصف المثقفين، سلم الله قلبه وروحه. د. عبدالعزيز السبيل: المعلم القدير والإنسان الفاضل والصادق، الذي افتقدته الثقافة وكسبه التعليم. د.المقالح: روح اليمن بكل تاريخها وتراثها وشعرها، القصيدة حين تسافر من الماضي للحاضر وتستقر في الذاكرة. بو حريد: النضال في أروع صوره، والأنثى في كامل رجولتها، هي نساء الجزائر مجتمعات، الأوراس وقسنطينة والصحراء الجزائرية بصبر أهلها وجسارة كائناتها. حياة سندي: ابنة الجزيرة، نجمة المملكة ومبدعتها، صورة للمرأة السعودية الجادة المتميزة، حملت وطنها حيث حل إبداعها.سيد المجد  ثلاث رسائل.. لمن تهديها ميسون ابو بكر؟- واحدة للإنسان والأب، عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، سيد المجد وريث التميز، ابن أبي البلاد، المليك الإنسان حبيب شعبه، فديته. واحدة لأمي التي هي أسطورة الحياة والنبل والعطاء، سيدة الجميلات. واحدة لصديقي ورفيقي فهد زوجي، السندباد الذي عثرت عليه في رحلة البحث عني.  أقتنع به  هل يعيق الحجاب عمل المرأة؟ وهل يؤثر على عطائها؟- المرأة الجادة هي التي تكون حولها هالة لا يمكن اختراقها، والحجاب زينتها وصورة تراثها. أينما أذهب إلى العالم، أكون أنا ميسون التي على الشاشة، هي نفسها في كل مكان، وأنا أرتديه لأنني اقتنع به.  كما انني لا أحب المبالغة فيه أو ارتدائه للتباهي؛ فالإيمان ما وقر في القلب. «المدن نساء»  آثرت عدم نشر روايتك (المدن نساء) في زمن العصف الروائي.. فلماذا؟- كي لا تتساوى بالطالح ممن ازدحمت بهم الساحة الروائية، ثم إنها رواية تتناول صورة عدد من النساء من العالم، شخصيات استغرب وجودها وأخريات يعبرن عن المرأة التي تبهرني بكل تفاصيلها، وتقترن تلك النساء بالبلدان والمدن اللاتي يقطنها، وبما تحمل كل هذه المدن من طقوس ودهشة.  اخترت لروايتك عنوان «المدن نساء».. ألم تخشي أن يثير جدلاً.. ولمَ لمْ تأخذ هذه الرواية حقها من التناول والنقد؟- سأنتظر الوقت المناسب لنشرها، وأنا بين الوقت والآخر أقوم بعملية جراحية لبعض تفاصيلها، وقد نسيت أن أخبرك انني إحدى شخوصها، ولن يجد من يعرفني من العمق صعوبة في الاستدلال عليّ. لكن الدهشة لن تغادر القارئ، وتلك المدن ستستفزه إلى التهامها كقطعة حلوى. رسائل مجنونة (قصة قصيرة)جَدَّة لن تكوني عروسا بعد الآن، جدة أصبحت المدينة التي أخشاها، أخاف أن أنفرد بها بعد الآن، أن أزورها وحدي، لقد أغلقت نوافذ قلبي، وأسدلت ستائري، خبأت ذكرياتي معها عميقا في طيات قلبي وأطفأت عليها الأنوار كيلا تستيقظ ثانية.هي جدَة، عروس البحر كانت، واليوم لم تعد كتلك التي كنت أعشقها وأقضي ليلي برفقة ليلها، وعلى وسادة شواطئها، بجانب بحرها بعد أن زحف المساء لسمائها في لحظات هدوءٍ وسكينة.بالقرب من بحرها كنا نجلس معا، بصمت، أقفلنا على كلماتنا الأبواب ثم رمينا مفاتيحها في حضن البحر الذي كنا برفقته لنتأمله فقط، كانت عيوننا بحاجة للانفراد به وحدها لتملأنا به.برقة، ودعة، داعبته الريح تلك الليلة، ريح هادئة لم تشأ أن تعكر صفوي، أو تخترق أسوار صمتي، كانت الأمواج تتلاحق بخفة تعلو ثم تعود أدراجها فتتبعها موجات أخرى تصرخ بغنج، بأنوثة تصافح الشاطئ كغيمة تلقي برذاذها قريبا مني، فأستفيق من سكرتي قليلا ثم أعود إلى اللا وعي ورحلة الجنون مرة أخرى، ومن ثم تتناوب الأمواج تعلو وتنخفض، تذهب وتأتي، رائحة البحر حتى الآن تخترق مساماتي، تصحبني معها إلى حيث تركته، تداعب جنوني به، حتى الأيام التي لا أكونها برفقته، تستحضره مشاعري، وتلك البرودة التي كانت تبعثرها الأمواج من حولها حين تتسابق لتصافح السماء طالما شعرت بها تلفح وجهي، نوارسه البيضاء تركت أعشاشها في ذاكرتي، وأبقتني حيث هو بكل حواسي رغم أني في وجهة أخرى.اليوم تخذلني شجاعتي فلا أقدر أن أزور جَدَّة وبحرها، كنت زرتها مرتين وكانت الخنساء تسكنها، والآن رحلت خنسائي ومعها قصائدها التي كانت تنشدها لي في بكرة الصباح، حين تتسلل الشمس إلى عالمنا خجولة بخيوطها الأولى التي ترسمها على لوحة السماء. كنا نتجرع الصباح كوصفة علاجية تمنحنا الحياة، كنا تعودنا أن نرافق الليل، أن نسكنه معا. بضحكاتنا. بدموعنا، ببكاء أرواحنا ونزيف قلوبنا، بكل الذكريات التي مضت والتي ستصبح بعد ذلك عابر سبيل في إحدى محطات حياتنا.كحلم، مرت تلك الأيام التي كنا سرقناها خلسة، اجتمعنا لنصهر الأشواق، ونطوع الكلمات ونتذكر الماضيكنت أنا الأنثى التي غزتني الصحراء، فسكنتني بوحدتها وسكنتها بجنوني، وبطفولتي التي محت الرياح بصماتها مع الزمن وأخذتها مع الرمال المسافرة برفقتها.أنا أنثاها التي تعودتها وأقمت فيها بأنغامي وآمالي الشاردة كحبات رملها، لكن خنسائي أبت أن تكررني، خافت أن تغوص بها عواصف الرمل فتتبعثر أوراقها وتأخذها في دوامتها، وعندما قَرَّرَت الرحيل ملأت حقائبها بأولئك الذين قدمت بهم معها، غادة السمان، محمد الماغوط، والمتنبي، وبكل الروايات التي كانت تتحدى بها وحدتها، وتتغلب بقراءتها على وجه جديد كان يمكن أن تحمل ملامحه، لكنها سافرت بأمين معلوف وأحلام مستغانمي، وآرنست هيمنغوي.رحلت وتركت وراءها ذكرياتي معها وملامح طفولتها التي تعدت الثلاثين عاما، وبعض أنغام قصائد كانت عزفتها أوتار عودها.تركتنا لتكمل مشوارها في مدينة الضباب لتشرق بشمسها حيث لا شمس هناك، تركتني وتركت بحر جدة وحيدا تائه الخطى، وتركت جدة تكمل مشوارها بدون خنسائها. 

 ميسون أبوبكر

 

أجراس الصمت (شعر)

أتهامس والصمت يرين على دفتر عشقيتبدو كلماتي عاريةيمنحها الليل ملامحهافأنا من ليلي أنسج أثواب الشعروأغزل باقات الصمت..تتراقص أشباحُ الليلِ وتحترقُ الأوراقْينصهر الحزن وذاك الفرح الآتيمولود من رحم الأحزانْعرَّاهُ البؤسُ لتسكنَهُ الأشواقْالوحدةُ تسكنُ أقبيةَ الروحْوأغوصُ بأعماقي بحثا عن عنوانيأرسمُ بلهيبِ الدمعةِكالكحلِ ربوعَ الأحداقْ..ويمرُّ ربيعُ العمرْيرحلُ عجلا مثلَ الريحِ تبعثرُ كلَّ حوائجنالا يبقى غيرُ شهيقِ الرغبةِفتحتبسُ الأنفاسْمن بئرِ الوحدةِ خرجتْ أنهارُ الخوفمن داخل مريم قد سُمعت دندنةُ الأجراسوما زالتْ داخلنانبضاتُ اليأس تحلم بالنعمى وطبول الأعراسْمن مهدي خرجتْ ألوانُ اللغةِ العربيةتمتشقُ الصمتَ وأروقةَ الآفاقترسمُ بالصمتِ جداراتكتبُ بالحرفِ نهارا يولدُ من أرقِ الساعاتْقاسيةٌ كلُّ دروبِ الكونْتائهةٌ فينا الفرحةُ لا تعرفُ دربا للحبِّولا تورقُ من لهبِ الإحساسْعاريةٌ كلُّ حروف اللغة العربيةِتبحثُ في شعري عنْ مهدٍ تهدأُ فيهبسطورٍ ترويها من ألقِ الحلمْتحفرُ.. تحفرُ في الأعماقْكيْ تخرجَ عملاقا من ومضاتِ النفسْتصهلُ في جنبات الروحوتعيدُ لنا تاريخَ الكلماتْأبحثُ عنْ قبرْأبحثُ عنْ لحدٍ لأواري فيه عورةَ روحيأخترقُ عبابَ الرملْأبحثُ عنْ لغةٍ تكتبنيعن لغةٍ قادرةٍ أن تجمع أحزانيأفراحي وشتاتيفأنا ما بين هنا وهناك..ضائعةٌ بين دروبِ الصبرْأسمعُ صمتيأبحثُ عنْ كونٍ يرسمني خلفَ حدودِ الصبرْعنْ شمسٍ تسكنُ محرابيفتبددُ ظلماتِ القهرْعنْ وادٍ تقرعُ فيه أجراسُ الصمتْ.