عبدالرحمن مؤيد القرطاس

مخاطر البيانات الضخمة

لعل أفضل مدخل لموضوع مخاطر البيانات الضخمة هو خبر إلقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما في شهر يناير الماضي خطاباً عقب به على فضيحة التجسس على الشعب الأمريكي، والتي فجرها إدوارد سنودن (Edward J. Snowden)، أو ما يعرف ببرنامج جمع البيانات الذي تقوم به وكالة الأمن القومي. حيث أعلن أوباما تكليف فريق ببحث موضوع البيانات الضخمة والخصوصية، وقال إنه سيسعى لأخذ آراء خبراء الخصوصية والتقنية والأعمال، لتطوير أفضل طريقة للاستفادة من البيانات والحد من مخاطرها.تحتفظ جوجل ببيانات ضخمة عن كل مستخدم وفي خبر آخر أثار ضجة في نهاية العام الماضي، تمت سرقة تفاصيل البطاقات البنكية والائتمانية لحوالي 40 مليونا من زبائن سلسلة محلات التجزئة الأمريكية الشهيرة تارجت (Target). وتارجت هي إحدى الشركات الرائدة في الاستفادة من البيانات الضخمة، وتحليل العادات الشرائية لزبائنها، وبالتالي تطوير عروض أفضل لهم، ومفصلة لأذواقهم. بل إنها كانت تذهب أحيانا أبعد من ذلك، فعن طريق التنقيب في قواعد بياناتها، أصبحت تستطيع استنتاج بعض المعلومات الشخصية عن زبائنها، ففي قصة أثارت ضجة عند حصولها استطاعت تارجيت اكتشاف حمل فتاة مراهقة عند تغير عاداتها الشرائية قبل أن يعرف والدها بحملها! مما يجعل خبر سرقة البيانات أكثر إزعاجاً، حيث قد لا يشكل وجود مثل هذه المعلومات لدى الشركات بحد ذاته إزعاجاً للزبائن، لأنهم أعطوا هذه الشركات معلوماتهم طوعياً مقابل استفادتهم من خدماتها، لكن قدرة الشركات على استنتاج معلومات شخصية أخرى وامكانية تعرضها للسرقة يمثل خطراً كبيراً. فعلى سبيل المثال، يمكن الاستفادة من دمج بيانات استعمال بطاقات الائتمان مع الهواتف الجوالة لحماية المستهلكين من السرقة أو الاحتيال، لكن يمكن أيضاً استعمالها بما يضرهم.وتختلف سياسات الشركات في التعامل مع ما تملكه من بيانات لزبائنها، وهي مفصلة في اتفاقيات الاستخدام التي لا يكاد يقرأها أحد على الرغم من أهميتها، وإنما يعتمد غالبية الناس على سمعة الشركة في منحها ثقتهم. فعلى سبيل المثال، تحتفظ جوجل ببيانات ضخمة عن كل مستخدم، من كلمات البحث التي يستعملها إلى المقاطع المصورة التي يشاهدها على يوتيوب إلى الموقع الجغرافي الذي يتواجد فيه، ولذلك وضعت شعارا أنها «لا ترتكب شرا» لكسب ثقة المستخدمين. لكن هذا الشعار لم يحم جوجل من التعرض للانتقاد حيال العديد من سياساتها لخصوصية معلومات مستخدمي خدماتها المختلفة. بينما تتعرض شركة فيسبوك لانتقادات متواصلة بسبب نظرة رئيسها مارك زكربرج (Mark Zuckerberg) لموضوع الخصوصية، ولتواصل قيامها بتغيير اتفاقيات الخصوصية والاختيار الافتراضي مما يعرض بعض البيانات الشخصية للإشهار غير المقصود، مما يجعل خبر شرائها لواتساب مؤخراً أكثر إثارة للجدل نظراً لتباين سياسات الشركتين تجاه خصوصية معلومات مستخدميها.وكتب أستاذا قانون في جامعة واشنطن (Washington University in St. Louis) ورقةً بعنوان «ثلاثة تناقضات للبيانات الضخمة» (Three Paradoxes Of Big Data). وأول تناقض تعرضا له هو «تناقض الشفافية» وأشارا إلى التحول القادم من الإنترنت للأشياء (Internet of Things) إلى الإنترنت لكل شيء (Internet of Everything) ونقلا تقدير شركة سيسكو (Cicso) أن الأجهزة الذكية التي تتصل بالإنترنت سيصل عددها إلى 37 بليونا في عام 2020. وهذه الأجهزة والبيانات التي تنتجها ستساهم في جعل العالم أكثر شفافية، لكن جمعها يتم في الخفاء. وثاني تناقض تناولاه هو «تناقض الهوية» فكل منا يريد الحفاظ على حقه الشخصي بتعريف هويته. بينما الوصول إلى أبسط مجموعة من البيانات الضخمة ودمجها، مثل الاتصالات الهاتفية، وتاريخ تصفح الانترنت، وتاريخ المشتريات، والمشاركات على الشبكات الاجتماعية وغيرها، يشكل خطراً على هذا التعريف ويحوله إلى مجموعة من التوقعات المبينة على البيانات، فبدلاً من «أنا» و«يعجبني» يصبح «أنت» و«يعجبك». والتناقض الأخير هو «تناقض القوة» وهو مع أن الأفراد والمستخدمين يستفيدون من البيانات الضخمة، إلا أن استفادة الشركات والمؤسسات الضخمة أكبر بكثير. ويدعوان في الخاتمة إلى تطوير «أخلاقيات البيانات الضخمة»، والتي تحدد الأوقات والحالات التي يكون استخدام البيانات الضخمة فيها مناسباً من عدمه. ويؤكدان على ضرورة ذلك للاستفادة الحقيقية من ثورة البيانات الضخمة.وأختم هذا المقال بتذكير القراء الأعزاء بأنه من الأفضل لهم اعتبار كل محتوى رقمي لهم يتم إرساله عبر الإنترنت على أنه بيانات علنية، وأن يحافظوا على ما يعتبرونه من خصوصياتهم في أجهزة لا تتصل بالإنترنت مطلقاً.