خليل الفزيع

حقوق الطفل والواقع المرير

كثيرا ما نتحدث عن حقوق الطفل، كما نصت عليها الأديان السماوية، والاتفاقيات الدولية والأنظمة والقوانين التي اشتملت عليها تلك الاتفاقيات، وما أفرزته من توصيات بقيت حبرا على ورق في معظم الدول، كما استغلت أبشع استغلال من دول أخرى، حرمت الأطفال البالغين من حق العمل عندما حرمت العمل على من هم دون الثامنة عشرة، وهو مقياس تتخطاه أوضاع الدول النامية المحتاجة لليد العاملة من أبنائها.تحديد يوم لحقوق الطفل لم يأت عبثا، بل هو نتيجة الرغبة في تصحيح الأوضاع المعيشية والتربوية التي يعاني منها أطفال العالم، وليس أطفال العالم العربي بأحسن من غيرهم في هذا الأمر إن لم يكونوا أسوأ في بعض البلدان العربيةعلى مستوى الممارسة العملية، لا زال الطفل العربي يعاني من التعنيف، ومن قلة العناية الصحية والثقافية والنفسية، ومن تفشي الأمية في مجتمعات عربية كثيرة، وخاصة في الأوساط الريفية التي تحتم عمل كل أفراد الأسرة في الفلاحة بما فيهم الأطفال، وما من مجال حيوي يعنى بالطفل إلا ونجده في البلاد العربية قاصرا عن أداء مهماته، حيث تنعدم الأنظمة الصارمة التي تجرم سوء معاملة الطفل، على أيدي أقرب الناس إليه، وكذلك سوء تربيته من أبوين دب بينهما الخلاف، فانعكس ذلك على حاضر حياته ومستقبله، وضحايا الطلاق من الأطفال أكثر من أن تعد مشاكلهم أو تحصى أمراضهم النفسية، بعد أن أصبح الطلاق ظاهرة في المجتمعات العربية؛ نتيجة غياب الوعي بالمسئولية الأسرية، وانعدام الإحساس بالواجبات المستحقة للأطفال شرعا وعرفا. من أجل ذلك، أوصت الأمم المتحدة أن يكون اليوم العشرين من نوفمبر، يوما عالميا لحقوق الطفل، وقد مرت علينا هذه المناسبة دون أن تحظى بما تستحقه من اهتمام، سواء على مستوى المؤسسات المعنية الرسمية والأهلية، أو على مستوى الأسر التي يفترض أن تتذكر في هذا اليوم واجباتها تجاه أطفالها، وهي واجبات حتمية وملزمة، يعني التخاذل في أدائها خلل يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية في التربية، يتحمل نتائجها الطفل والأسرة والمجتمع، وهذا يتنافى مع ما نردده دائما عن حرصنا على تنشئة أطفالنا تنشئة تربوية وتعليمية سليمة.وتبدأ أسباب سوء التربية، من غياب القدوة الحسنة للطفل، إذ لا يمكن للأب أن ينهي ابنه عن أمر ثم يمارسه أمامه دون حرج، ولا يمكن للأم أن تنهي ابنتها عن سلوك هي تمارسه كأمر عادي ودون تردد، فالقدوة الحسنة في المنزل هي أول الطريق في مسيرة التربية السليمة، وبانعدام هذه القدوة الحسنة تنعدم الاستقامة، ويصبح الطفل عرضة للأمراض النفسية والتربوية، عندما يطالب بأمر ويرى نقيضه في محيط الأسرة، وليس المجتمع ولا المدرسة بأفضل حال بالنسبة لما يراه الطفل من متناقضات يقف أمامها حائرا وفي حال لا يحسد عليها.وحقوق الطفل لا تعني توفير الأكل والشرب والملبس له فقط، ولكنها تعني الرعاية ومن جميع الجوانب، والرعاية العاطفية هي من أولويات ما يريده الطفل في سنواته الأولى، وهي الموجه لبوصلة نموه النفسي، حيث ترتكز عليها سلوكياته في المستقبل، وتتكون منها شخصيته العامة، وما قد يراه الطفل من القسوة والعنف، ومشاهد الحروب وما تحمله من معارك دموية صاخبة، ودماء تسيل أنهارها أمام ناظرية، كل ذلك يقوده حتما إلى التشويه النفسي وعدم الاستقرار العاطفي، ويحرض نزعات الشر في نفسه؛ بينما تحقق له البيئة البعيدة عن العنف.. تربية سليمة نتيجة اطمئنانه على نفسه وعلى حاضره ومستقبله.تحديد يوم لحقوق الطفل لم يأت عبثا، بل هو نتيجة الرغبة في تصحيح الأوضاع المعيشية والتربوية التي يعاني منها أطفال العالم، وليس أطفال العالم العربي بأحسن من غيرهم في هذا الأمر، إن لم يكونوا أسوأ في بعض البلدان العربية، لما تعيشه تلك البلدان من واقع مرير في جميع مجالات الحياة.